جوزف بو هيا


يعاني الاقتصاد اللبناني منذ سنوات من ضغوط هائلة نتيجة لعوامل متشابكة تشمل الفساد، سوء الإدارة، والديون المتراكمة، ما أدى إلى تدهور اقتصادي مستمر. إلا أن أحد أكثر التحديات تعقيدًا هو "الاقتصاد الموازي" الذي يديره حزب الله، وهو نظام اقتصادي غير شرعي يعمل خارج إطار الدولة اللبنانية. هذا الاقتصاد يُضر بالتوازن الاقتصادي العام من خلال تقويض المؤسسات الشرعية وخلق عوائق هيكلية أمام الفئات الاقتصادية غير الموالية للحزب. في هذا السياق، تبرز محاولات حزب الله وحليفه حركة أمل للسيطرة على المؤسسات المالية المركزية كجزء من استراتيجيتهما لفرض نفوذهما الاقتصادي والسياسي على البلاد.

شبكة الاقتصاد الموازي وتأثيرها على السيادة الاقتصادية
تعتمد شبكة حزب الله الاقتصادية بشكل أساسي على أنشطة غير شرعية مثل تهريب الممنوعات، الأسلحة، الوقود، والسلع الأساسية عبر الحدود مع سوريا، إلى جانب السيطرة على قطاعات حيوية كالبناء والتجارة. هذه الأنشطة تُمكّن الحزب من تحقيق إيرادات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، ما يسمح له بتمويل عملياته العسكرية والسياسية، دون الخضوع للرقابة المالية للحكومة اللبنانية.
الأمر الأكثر تعقيدًا هو أن هذه الشبكة لا تقتصر على لبنان فقط، بل تمتد إلى شبكات دولية في إفريقيا وأميركا اللاتينية. هذه العمليات العابرة للحدود تعزز قدرة الحزب على تمويل أنشطته السياسية والعسكرية بعيدًا عن أي مساءلة دولية أو محلية، مما يزيد من نفوذه داخل لبنان وخارجه ويخلق أبعادًا دولية للأزمة اللبنانية.

تأثير الاقتصاد الموازي على الاقتصاد الرسمي
الاقتصاد الموازي لحزب الله لا يضر فقط بمؤسسات الدولة ولكنه يخلق بيئة اقتصادية غير متكافئة للشركات اللبنانية الشرعية. الشركات المرتبطة بحزب الله تستفيد من التهرب الضريبي وتجنب القيود القانونية، مما يمنحها ميزة تنافسية غير عادلة. هذا الوضع يؤدي إلى تهميش الشركات التي تعمل ضمن الأطر القانونية، مما يُضعف القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني بشكل عام ويقلل من فرص الاستثمار الأجنبي الذي يعتمد على الشفافية والثقة في النظام الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الاقتصاد الموازي حاجزًا أمام الحصول على المساعدات الدولية الضرورية لإعادة إعمار البلاد. مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مترددة في تقديم المساعدات للبنان خشية أن تُستخدم لتعزيز الأنشطة غير الشرعية المرتبطة بحزب الله. هذا التردد يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية، حيث تظل الحكومة اللبنانية عاجزة عن تقديم خطط إنقاذ فعالة دون دعم دولي.

سيطرة حزب الله على وزارة المال ومصرف لبنان
سيطرة الثنائي الشيعي على وزارة المال وسعيه للسيطرة على رئاسة مصرف لبنان تمثل خطوات محورية في مخططه لتعزيز هيمنته الاقتصادية والسياسية. وزارة المال ليست مجرد جهاز بيروقراطي؛ بل إنها الجهة المسؤولة عن تدفق الموارد المالية للدولة وتوجيه الإنفاق الحكومي. هذا يتيح لحزب الله قدرة غير محدودة على تمويل مشاريعه بطرق قانونية وغير قانونية. أما السيطرة على مصرف لبنان فهي خطوة أكثر خطورة، حيث يمكن لحزب الله التأثير في السياسة النقدية، وتحديد سعر صرف العملة، والتحكم في الاحتياطيات النقدية. هذه الأدوات تمنحه القدرة على فرض ضغوط على القطاع المصرفي التقليدي، الذي يعاني بالفعل من أزمة ثقة كبيرة.

انهيار البنوك وصعود "القرض الحسن"
مع انهيار القطاع المصرفي اللبناني وفقدان المواطنين الثقة في البنوك، برز "القرض الحسن"، مؤسسة مالية تابعة لحزب الله، كبديل موازٍ للنظام المصرفي التقليدي. تقدم هذه المؤسسة خدمات مالية مثل القروض، بشكل غير خاضع للرقابة الحكومية أو المصرفية، ما جعلها ملاذًا آمنًا للعديد من اللبنانيين، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحزب.
إلى جانب ذلك، يُمكّن "القرض الحسن" حزب الله من بناء نظام مالي موازٍ خارج الأطر القانونية، مما يعزز سيطرته على القطاع المالي في لبنان. يعد هذا تطورًا خطيرًا لأنه يخلق طبقة مالية خارج نطاق الدولة، تتفوق على النظام المالي الرسمي وتدمر فرص الإصلاح الاقتصادي.

السلاح غير الشرعي والاقتصاد الموازي: تزاوج خطر
يظل سلاح حزب الله غير الشرعي ركنًا أساسيًا في حماية الاقتصاد الموازي. هذا السلاح لا يُستخدم فقط لحماية الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية، ولكنه يفرض "سيادة موازية" في المناطق التي يسيطر عليها الحزب. الهيمنة العسكرية تُمكّن الحزب من خلق بيئة اقتصادية غير متوازنة، حيث تجد الشركات غير المرتبطة بالحزب نفسها في موقف ضعيف وغير قادر على التنافس. هذه الهيمنة المزدوجة – الاقتصادية والعسكرية – تشكل تهديدًا هيكليًا للبنية السياسية والاقتصادية في لبنان، وتعوق أي محاولة للإصلاح أو بناء اقتصاد مستدام.

خلاصة: تحديات هيكلية لمستقبل لبنان
الوضع في لبنان لا يعكس أزمة اقتصادية أو سياسية فحسب، بل يعكس مخططًا متكاملًا يستهدف إعادة هيكلة النظام المالي والاقتصادي بشكل يخدم مصالح حزب الله ويضعف دور الدولة اللبنانية. السيطرة على المؤسسات المالية كوزارة المال ومصرف لبنان، بالإضافة إلى إنشاء نظام مصرفي موازٍ، تمثل محاولات لتدمير الاقتصاد الرسمي وتعزيز نفوذ الحزب. هذا الوضع يضع مستقبل البلاد في خطر كبير، ويعقد من أي جهود دولية أو محلية لاستعادة السيادة الاقتصادية والإصلاح.
بدون تدخل دولي وضغط داخلي قوي، سيظل الاقتصاد الموازي والسلاح غير الشرعي يشكلان عقبات رئيسية أمام أي إصلاح مستدام، مما يجعل مستقبل لبنان الاقتصادي والسياسي غامضًا ومليئًا بالتحديات.

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News").


المصدر : Transparency News