في ظل الأوضاع الراهنة، يواجه لبنان أزمة تتطلب مواجهة جريئة للحقيقة والواقع السياسي المعقد. التوتر الداخلي يعكس واقعًا مؤلمًا: حزب الله قد بات يتحكم فعليًا في مفاصل الدولة، بينما يقبع لبنان كـ"دويلة" داخل دولة الحزب. في هذا السياق، يجب على المسؤولين اللبنانيين أن يخرجوا من دائرة الإنكار ويعلنوا بوضوح عدم مسؤوليتهم عن النزاعات الإقليمية، بدلاً من الانشغال بمسائل جانبية كقضية احتجاز رياض سلامة، التي تعتبر بمثابة مسرحية سياسية تهدف إلى تشتيت الانتباه عن القضايا الأكثر إلحاحًا.


لا يزال لبنان بعيدًا عن تحقيق المصالحة مع نفسه ومع الواقع، حيث يتطلب الأمر اعترافًا صريحًا بأن حزب الله قد أصبح الفاعل الأساسي في الدولة اللبنانية، في حين يبدو لبنان مجرد "دويلة" ضمن دولة الحزب. لو كان الأمر غير ذلك، لكان المسؤولون في الجمهورية اللبنانية قد اتخذوا موقفًا شجاعًا يعكس صدقهم مع الذات ويكشف الحقيقة للبنانيين، بدلاً من التلهي بمسرحية احتجاز رياض سلامة.

الموقف المطلوب هو الابتعاد عن حرب الحزب عبر تصريح صريح يعكس فهمًا للواقع الإقليمي والدولي. لا يوجد أحد في المنطقة يرغب في شن حرب على إسرائيل بتوقيت تفرضه "حماس"، حتى النظام السوري سعى إلى التمييز عن "محور الممانعة" الذي تقوده إيران. لبنان ليس لديه مصلحة في هذه الحسابات الإيرانية، بل يواجه تهديدًا حقيقيًا بتدمير بنيته التحتية المتداعية.

كان يجب على لبنان الرسمي أن يعلن بوضوح أن حكومة تصريف الأعمال، برئاسة نجيب ميقاتي، ليست معنية بفتح جبهة جنوب لبنان أو شن حرب على إسرائيل. في ظل التقصير الحكومي من مجلس النواب والجيش اللبناني، الذي بات شاهدًا على ما يجري، يصبح واضحًا أن لبنان يعاني من أزمة سياسية عميقة.

لماذا لم يقتدِ لبنان بإيران؟

تشن الدول حروبًا عندما تكون قادرة على تحمل تكاليفها. لبنان، الذي لا يعرف أهداف حرب الجنوب ولا يمتلك ثمنها، لا يجب أن يكون مسرحًا للحرب التي لا تحقق فائدة لغزة. إيران، رغم اغتيال إسماعيل هنية، امتنعت عن الرد على أساس حسابات دقيقة تتعلق بحماية مصالحها.

لبنان، في المقابل، يبدو مستعدًا لدفع ثمن الحرب من جيب شعبه ومنطقة الجنوب، دون أن يقتدي بالنموذج الإيراني الذي اختار "التراجع التكتيكي".

مسرحية احتجاز رياض سلامة

بينما تستمر إسرائيل في التحضير لمرحلة ما بعد حرب غزة، ينشغل لبنان بقضية رياض سلامة، الذي ساهم في انهيار النظام المصرفي بعد 2005، في غياب الرقابة والشفافية. من الضروري أن تعلن الحكومة اللبنانية بصوت عالٍ أن حرب الحزب ليست حرب لبنان، وأن المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية لا يمكن أن تقتصر على شخص واحد فقط.

شجاعة مطلوبة

لبنان بحاجة إلى شجاعة سياسية لمواجهة الواقع بصدق، بعيدًا عن التلاعب والمسرحيات السياسية. بينما تتحدث إسرائيل عن تغيير الوضع الأمني، يظل لبنان عالقًا في دوامة من الإنكار والتلاعب، في انتظار اللحظة التي يتحلى فيها المسؤولون اللبنانيون بالشجاعة الكافية لمواجهة الحقيقة.


المصدر : Transparency News