وسيم جانبين


بات من المعروف بأن لبنان يشهد أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية، يبرز موضوع تكلفة خدمة اللاجئين السوريين كقضية لافتة بين الوزراء في الحكومة اللبنانية. إذ تعد التقديرات المتفاوتة بين المسؤولين، والتي تراوحت بين 40 و60 مليار دولار وأحيانًا وصلت إلى 80 مليار دولار من قبل نفس الوزير، مؤشراً على حالة الفوضى والتخبط الحكومي والفشل على جميع الأصعدة.

تفاوت التقديرات وتناقضاتها

يشير تفاوت التقديرات بشأن كلفة خدمة اللاجئين السوريين إلى عدم وجود رؤية موحدة وخطة واضحة لدى الحكومة اللبنانية. هذا التفاوت الكبير في الأرقام يعكس غياب التنسيق بين الوزارات المعنية، وعدم وجود قاعدة بيانات موحدة تعتمد عليها الحكومة لتحديد التكاليف بدقة. بعض الوزراء قدروا الكلفة بنحو 40 مليار دولار، بينما ذهب آخرون إلى 60 مليار دولار، وفي بعض الأحيان تجاوزت التقديرات حاجز 80 مليار دولار.
هذا التفاوت في التقديرات ليس مجرد مسألة أرقام؛ بل يعكس أبعاداً أعمق تتعلق بالفشل الحكومي في إدارة الأزمة. فالأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة سنوات من الفساد وسوء الإدارة والهدر المالي. فقد أدت السياسات الاقتصادية غير الرشيدة إلى تآكل الثقة بين المواطنين والحكومة، وزادت من معاناة الشعب اللبناني. أضف إليها سطو المنظومة الحاكمة في لبنان على أموال المودعين وتهريب أموالهم الخاصة إلى الخارج.
إضافة إلى ذلك، فإن تضارب التقديرات بشأن كلفة خدمة اللاجئين يؤثر على العلاقات الدولية للبنان، خصوصاً مع الدول المانحة والمنظمات الدولية التي تقدم الدعم والمساعدات للبنان. فكيف يمكن لهذه الجهات أن تثق في أرقام حكومية متضاربة وغير دقيقة؟ وكيف ستقوم الدول التي تزورونها وتبهورنها بخطاباتكم المنمقة والمتنصلة من أي خطأ إداري ومحاولاتكم الدائمة لإلقاء اللوم على الحكومات السابقة أن تصدقكم على الأقل!

بعد قيام نواب تابعون لبعض الأحزاب في لبنان بمرافقة القوى الأمنية في إنفاذ ترحيل السوريين من "مناطقهم" يعمد هؤلاء النواب إلى نشر صورهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي متباهون فيها أمام أنصارهم ليحصدو اللايكات الجماعية والتهليلات المباركة لهذا الإنتصار العظيم، انتصر زعيمنا على اللاجئ السوري في لبنان! فلنصفق له. إنه البطل الزعيم الذي يسكت عن نهب مدخراتنا من البنوك ويستشرس في القتال ضد النازح السوري الذي لا حول ولا قوة له وهذا يدل على أن هذه المنظومة وأحزابها باتت في نهاياتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

إن الوضع الكارثي الذي يعيشه لبنان اليوم هو نتيجة حتمية لتراكمات من الفساد والهدر وسوء الإدارة. وبالرغم من أن اللاجئين السوريين يشكلون عبئاً إضافياً على الاقتصاد اللبناني، إلا أن الفشل في إدارة هذا الملف يعكس ضعف الحكومة وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات بفعالية. والدليل الأكبر كان كلام أحد الوزراء منذ أسابيع حيث طرح تساؤلا مستهجنا عدم مساعدة المجتمع الدولي في بنيته التحتية من كهرباء وماء ونسي معاليه أن وزيران للطاقة في لبنان تعاقبا على وزارة الطاقة أهدرا 20 مليار دولار فقط! كانت كافية بإنشاء معامل كهربائية دائمة للبنان وسوريا والمحور الممانع بأكمله. ليعود الوزير ويشن هجوما على المفوضية العليا للاجئين سانده فيها تلفزيون الدولة الرسمي حيث بث تقريرا أظهر فيه أن السوريون في لبنان يأكلون طعام اللبنانيين ويشربون ماءهم وأن هؤلاء هم أصل انتكاسة لبنان إلا أن الوزير وإدارة هذا التلفزيون الرسمي لم تعط رأيا بقضية التهديدات الأمنية التي تعرضت لها مجموعة الحبتور بعد إعلانها عن نيتها افتتاح قناة تلفزيونية في بيروت وكأنهم بغنى عن هذا الإستثمار خاصة بعد إعلان عدة مؤسسات صحافية عريقة في لبنان عن إقفالها لأسباب مادية.

إن التفاوت الكبير في تقديرات كلفة خدمة اللاجئين السوريين بين الوزراء اللبنانيين ليس مجرد مسألة أرقام متضاربة، بل هو مرآة تعكس حالة الفوضى والعجز التي تعيشها الحكومة اللبنانية. فمع استمرار الفساد وسوء الإدارة، تزداد معاناة الشعب اللبناني، سواء من خلال فقدان مدخراتهم أو من خلال تحمل أعباء إضافية نتيجة الفشل في إدارة ملف اللاجئين. وإن المنظومة السياسية في لبنان التي اعتادت العيش على عامل الوقت وانتظار التغيرات الاقليمية هي نفسها اليوم ستبقى قابعة في قوقعة هذا الانتظار الذي لن يزيدها الا فشلا وتراكما بالفشل إلى ما شاء الله وشاء أبناء هذا الوطن.
إن الحاجة إلى إصلاحات جذرية وشاملة باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. يجب على الحكومة اللبنانية أن تتخذ خطوات حازمة لإعادة بناء الثقة مع الشعب والمجتمع الدولي، من خلال تقديم تقديرات دقيقة وشفافة، ووضع خطط واضحة لمعالجة الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد. فبدون ذلك، سيظل لبنان عالقاً في دائرة من الفشل والتخبط، ولن يتمكن من الخروج من أزمته المستفحلة إلا بانتخابات نيابية مبكرة تحاول فيها الطبقة الصامتة من اللبنانيين أن تخرق حاجز التمنع عن الذهاب الى صناديق الاقتراع لمحاولة رفع نسبة المستقلين في المجلس النيابي ولجم فشل هذه المنظومة وأكثريتها للبدء بمسيرة القضاء عليها نهائيا ولو بعد 10 أو 15 عاما.

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News