جوزف بو هيا


في تطور طال انتظاره في لبنان، تم توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، بتهمة "اختلاس أموال عامة". ورغم أهمية هذه الخطوة، يبقى السؤال الرئيسي: ماذا عن أموال المودعين؟ أين الأموال المنهوبة التي تجاوزت 140 مليار دولار، وأدت إلى انهيار القطاع المصرفي وإفلاس الدولة؟
رياض سلامة لم يكن يعمل بمفرده؛ فقد كان لديه نواب حاكم، يمثل كل منهم جهة سياسية نافذة. هؤلاء النواب شاركوا في اتخاذ القرارات المالية مع سلامة، مما يعني أن السياسات المالية لمصرف لبنان كانت نتاج توافق سياسي. إضافة إلى ذلك، ينفذ مصرف لبنان سياسات الحكومة المالية، مما يجعل المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الحكومات المتعاقبة التي أخفقت في إدارة موارد الدولة وإجراء الإصلاحات المالية الضرورية.
من أبرز أبواب الهدر المالي كانت وزارة الطاقة، التي حمّلت لبنان ديونًا طائلة دون تحقيق نتائج ملموسة. فبينما تم إنفاق أكثر من 50 مليار دولار على دعم قطاع الكهرباء، يعيش لبنان اليوم في ظلام مستمر مع انقطاع دائم للكهرباء. مشاريع الطاقة التي أهدرت الأموال كانت في معظم الأحيان غير مكتملة أو مشوبة بالفساد، مما جعلها مجرد وسيلة لإثراء السياسيين المتحكمين في الوزارة دون تحقيق الفائدة للشعب.

إلى جانب وزارة الطاقة، استُغلت صناديق الدعم مثل صندوق الجنوب، صندوق الإنماء والإعمار، وصندوق المهجرين لتمرير الأموال إلى السياسيين دون تحقيق الأهداف المعلنة. علاوة على ذلك، شهدت العديد من الوزارات الأخرى فسادًا كبيرًا، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:

وزارة الداخلية: فساد في التوظيف وتلقي الرشاوى لاستخراج الوثائق.
وزارة الاقتصاد: تلاعب بالدعم الحكومي والاحتكار.
وزارة التربية: توظيفات عشوائية وهدر أموال مخصصة للتطوير.
وزارة العمل: تلاعب بتراخيص العمل وتلقي الرشاوى للتغطية على المخالفات.
وزارة الأشغال العامة والنقل: عقود بنية تحتية مشبوهة دون أن يُبنى للبنان بنية تحتية تُذكر.
وزارة الاتصالات: بالإضافة إلى التوظيف السياسي العشوائي، تم استغلال الإيرادات لخدمة المصالح السياسية، علمًا أن لبنان يُعد من الدول ذات التسعيرات الأعلى عالميًا في هذا القطاع.
وزارة الصحة: إهدار الأموال خلال أزمات الأدوية، بينما يموت الناس على أبواب المستشفيات بدون رعاية صحية محترمة.
في ظل هذا الواقع، يصبح توقيف رياض سلامة خطوة جزئية. إذا لم تتوسع التحقيقات لتشمل الجهات الأخرى التي أهدرت مليارات الدولارات من المال العام، فإن هذه الخطوة ستظل محدودة في تأثيرها. وزارة الطاقة، التي كانت ولا تزال محمية سياسيًا، يجب أن تكون على رأس هذه التحقيقات.
اللبنانيون بحاجة إلى تحقيق شامل يتجاوز شخص رياض سلامة ليشمل جميع المتورطين في سرقة المال العام. الأزمة التي يعاني منها لبنان ليست نتيجة قرارات فردية، بل هي نتاج فساد ممنهج استمر على مدى سنوات طويلة. يجب ألا تُستخدم قضية سلامة كتمويه للجرائم الكبرى التي ارتُكبت بحق الدولة والشعب.
هذه فرصة حاسمة لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اللبناني. يجب أن تشمل المحاسبة كل من ساهم في هذه الكارثة المالية، وإلا فإن توقيف سلامة سيظل مجرد خطوة تجميلية في مسار طويل من التهرب من المسؤولية.

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News