سيدة صوما


وسط تزايد النقاش في إسرائيل حول ضرورة إعادة المستوطنين إلى مناطقهم في شمال البلاد، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للعسكريين أنه "يجب إنهاء هذه القصة"، مشيرًا إلى أن حزب الله يشكل القوة الأساسية لنفوذ إيران في الشمال، وأن الوقت قد حان للتعامل معهم بشكل حاسم.
في هذا السياق، تم تقديم اقتراح عسكري يقضي بزيادة عدد القوات الموجهة نحو الشمال، مع التأكيد على ضرورة شن قصف جوي مكثف يستمر من أربعة إلى خمسة أيام على الأقل، يتبعه توغل بري لقوات الجيش الإسرائيلي. يعود هذا الاقتراح إلى الجهود المبذولة لتصعيد الضغوط على حزب الله وتعزيز الأمن في المناطق الشمالية لإسرائيل.
لكن جاءت مفاجأة غير متوقعة من الجنوب، حيث أطلقت جماعة الحوثي من اليمن صاروخًا باليستيًا سقط في منطقة مفتوحة قرب تل أبيب، تحديدًا بالقرب من موديعين وسط إسرائيل، على بعد 6 كيلومترات من مطار بن غوريون، دون أن يسفر عن أي إصابات. ووفقًا لمعلومات إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن الصاروخ قطع مسافة تقارب ألفي كيلومتر واستغرق حوالي 15 دقيقة للوصول إلى هدفه، وهي فترة زمنية طويلة مقارنةً بالتهديدات الأخرى. وأشارت الإذاعة إلى وجود تقصير في أنظمة الرصد، حيث كانت هناك تأخيرات كبيرة في عملية التعرف على الصاروخ واعتراضه بنجاح، مما يثير القلق بشأن كفاءة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.

في هذا الإطار، كشف المتخصص في الأمن القومي ودراسات الحرب والاستراتيجيات، العميد يعرب صخر، في حديث خاص لموقعنا، أن الصاروخ الحوثي الذي استهدف إسرائيل مؤخرًا هو في الواقع مناورة إيرانية ذات أهداف مزدوجة تهدف إلى: 
أولاً، خلق حالة من الإرباك داخل المجتمع الإسرائيلي. وبحسب صخر، فإن الهدف هو إحداث حالة من القلق والخوف في إسرائيل، حيث تثير هذه الأحداث تساؤلات حول إمكانية سقوط صواريخ أخرى في مناطق سكنية أو مرافق حيوية مثل مطار بن غوريون. ورغم أن إطلاق الصاروخ له هدف "تكتيكي" ولا يغيّر في موازين القوى، ولم يُسفر عن أضرار، إلا أنه نجح في تحقيق نقطة "استراتيجية" عبر خلق حالة من الارتباك والخوف داخل المجتمع الإسرائيلي.
ثانيًا، تهدف المناورة إلى تحويل الانتباه عن جبهة الشمال. وأكد صخر أن الهدف الرئيسي من الهجوم هو صرف نظر إسرائيل عن جبهة الشمال، التي تستعد لشن هجوم ساحق نوعي وكمي على حزب الله. وقد مهدت إسرائيل لهذا الهجوم من خلال استهداف لوجستيات حزب الله وخطوط إمداده ومخازنه على مدى عدة أسابيع لتقليص قدراته. ومن المتوقع أن تقوم القوات الإسرائيلية بعملية واسعة النطاق لخلق مجال حيوي وتعميق المساحة الفاصلة بين إسرائيل ولبنان حتى نهر الليطاني، مع تطبيق القرار الدولي 1701 بالقوة والنار.
وقال صخر: "إيران تستميت للحفاظ على حزب الله، ذراعها الأقوى". وأضاف أن إيران مستعدة للتضحية بالحوثيين إذا لزم الأمر، لنقل غضب إسرائيل وانتقامها من الشمال إلى الجنوب. لكنه أشار إلى أن هذا التكتيك قد يحقق نتائج عكسية، حيث قد يؤدي إلى زيادة الدعم والتعاطف الدولي مع إسرائيل، بما في ذلك من الصين وروسيا، إذا تم تهديد وجودها. وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية "المأزومة" قد تستغل ذلك لتحويل أزمتها من الداخل إلى خارج حدودها، لضرب أرض أعدائها.
وتابع: "في الأوقات الصعبة، تسخّر إسرائيل كل طاقاتها وقدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لخدمة العسكر، بما تمتلكه من عديد وعدة، وترسانة هائلة من الأسلحة النوعية والتقنية العالية. كما أنها تعلم جيدًا كيف تستفيد من التصعيد لإعادة الدعم الغربي والأميركي، الذي بدأ بعضه بالتراجع. أما الآن، فقد تعود هذه الأطراف وتحتشد من جديد لحماية إسرائيل".
وختم صخر بالقول: "مما لا شك فيه أن المحاولة الإيرانية 'ملفتة ومميزة' لإنقاذ حليفها حزب الله، لكنها قد لا تكون كافية. ويبدو أن العدو الإسرائيلي ماضٍ دون تراجع، ولن يردعه من الآن فصاعدًا أي شيء، مستفيدًا من قدرته على فتح جبهات متعددة في وقت واحد بفضل ترسانته العسكرية والتقنية المتقدمة".

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News