يوسف مرتضى - صحافي


لا أعتقد أن عاقلًا في لبنان وخارجه، مهما كانت خلفياته السياسية والفكرية، لا يرى ويقرّ بأهمية الإنجاز التاريخي الذي حققته المقاومة الوطنية اللبنانية في دحر قوات العدو الصهيوني، وإتمام عملية تحرير أرضنا من رجسه بدون قيد أو شرط. ولا ينتقص من ذلك طبعًا بقاء بعض النقاط المختلف عليها على طول الحدود البرية الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة، حيث يجري التفاوض غير المباشر عليها مع العدو برعاية الأمم المتحدة. ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أتوجه بأسمى آيات التمجيد والافتخار بشهداء المقاومة لأي جهة انتموا، وكذلك التوجه بأسمى التحايا لجميع الذين تعرضوا للأسر والاعتقال، ولجميع الجرحى الذين تضرروا من ممارسات العدو واعتداءاته.
أنا كلبناني أعتز وأفتخر بهذا الإنجاز التاريخي الذي حققته المقاومة، والذي مسح ما علق في ذهن القريب والبعيد بأن العرب في تاريخ صراعهم مع العدو لم يعرفوا إلا الهزائم، وأن جيش العدو الذي لا يقهر قد أذلّته المقاومة وهزمته شر هزيمة.
إن إنجاز التحرير كان، ولا يزال، علينا كلبنانيين، وخاصةً من أسهموا في تحقيقه، العمل على استكماله، عبر تعزيز البناء الداخلي لوطننا الديمقراطي التعددي لما فيه خير ومصلحة شعبنا من جهة، وبما يقدمه النجاح في ذلك من نموذج حضاري لتعايش الثقافات المتنوعة من جهة ثانية. يسهم ذلك في كشف الغطاء عن الطبيعة العنصرية لكيان العدو الذي باتت ركائزه تهتز، وسوسة الانقسامات الداخلية تنخر في جسده المعتل. ويحاول بعض أركانه جراء ذلك الهروب من تداعياتها نحو رفع منسوب العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، والتهويل بالحروب يمينًا ويسارًا.
إن الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية الممتد لما يقارب السنتين، والذي يترافق مع تعطيل وتحلل العديد من مرافق الدولة المالية والقضائية والإدارية، يجعل اللحمة الاجتماعية والسياسية والوطنية لمكونات المجتمع اللبناني على حافة الانهيار والتفكك. الأمر الذي يدعونا إلى طرح السؤال على مختلف القيادات اللبنانية الممسكة بناصية القرار السياسي والدستوري، وفي مقدمتهم قيادة حزب الله، الفريق الأقوى والأكثر تأثيرًا:
هل ما عاشته وتعيشه بلادنا من تجاذبات وانقسامات على السلطة، ورعاية الفوضى المالية والإدارية والقضائية، وتوزّع النفوذ والحصص بين أفرقائها، يزيد من منسوب دعم المقاومة ضد العدو الصهيوني أم يمثل نقطة الضعف الأكبر في هذه المواجهة؟ وجبهة الإسناد في جنوب لبنان للمقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، التي نجم عنها استشهاد مئات المقاومين والمدنيين وتشرّد ما يقارب 140 ألف نازح جنوبي حسب الهيئة العليا للإغاثة، ودمار ما يقارب 20 قرية على طول الحدود الجنوبية للبنان، وإن أوجعت العدو عسكريًا واقتصاديًا، ولكن بالحساب الواقعي، هل خدمت المقاومة الفلسطينية في غزة؟ والسؤال البديهي الذي يطرح هنا: هل فشل قوات الاحتلال الصهيوني في القضاء على المقاومة في غزة حتى الآن ناجم عن جبهات الإسناد أم عن المجهود المباشر للمقاومة الفلسطينية؟ ولو تمكنت فعليًا قوات الاحتلال من الإجهاز على المقاومة الفلسطينية في الداخل، ماذا كانت ستقدم لهم جبهات الإسناد بعدما خذلتهم وتخلت عنهم في خيار التحرير؟

إن الموقف التاريخي المطالب به الثنائي الشيعي، وتحديدًا حزب الله، هو الالتفات إلى تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز اللحمة الوطنية، عبر إطلاق العنان لدور مؤسسات الدولة وجعل قرار السلم والحرب أمرًا دستوريًا ووطنيًا وليس فئويًا. يتطلب ذلك احترام والالتزام بالقواعد الدستورية في ملء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، كمدخل لإعادة تسيير عمل مؤسسات الدولة. ومن خلفية تأمين الوحدة والتماسك الوطنيين يمكن توفير الدعم الأنجع للمقاومة الفلسطينية في الداخل، ماديًا وإعلاميًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، طالما أن خيار محور المقاومة المشاركة في التحرير قد سقط في امتحان "طوفان الأقصى".

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News