على الرغم من طغيان الأحداث الجارية في المنطقة، لا تزال مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا، التي ارتُكبت في ضواحي بيروت بين 16 و18 سبتمبر 1982، بعد يومين فقط من اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، تُعتبر جرائم متعمدة لم تُحاسب بعد، وتُستغل لإشعال الفتن الداخلية في لبنان. السبب في ذلك يعود إلى كشف حقائق جديدة تُدين النظام السوري، الذي كان في ذلك الوقت عدوًا لدودًا لياسر عرفات ولبنان، وسعى – ولا يزال يحلم بذلك – للسيطرة على الورقة الفلسطينية وإخضاع لبنان.


في 14 سبتمبر 1982، أدى انفجار قوي إلى اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في معقله بالأشرفية، ما أسفر عن مقتل نحو عشرين من معاونيه ومؤيديه. قُتل الجميل لأنه كان قد بدأ في توحيد البلاد قبل توليه رسميًا منصبه. كان يمثل حلم جميع اللبنانيين الذين كانوا يتطلعون إلى دولة عادلة، حرة، مستقلة، ذات سيادة ومزدهرة. كان هدف اغتياله واضحًا: القضاء على هذا الحلم في مهده ومنع إعادة إحياء لبنان الذي كان يُعرف سابقًا بـ"سويسرا الشرق"، وإفساح المجال أمام احتلاله من قبل سوريا.

تبنى حبيب الشرتوني، عضو الحزب السوري القومي الاجتماعي، مسؤولية اغتيال بشير الجميل. كان الشرتوني أول سجين يتم إطلاق سراحه من قبل الجيش السوري الذي أكمل احتلال لبنان بعد هزيمة الجنرال المتمرد ميشال عون في قصر بعبدا في 13 أكتوبر 1990. منذ ذلك الحين، يعيش الشرتوني حراً في سوريا ويُعتبر "بطلاً قومياً". وقد أكد هذا الموقف نواف الموسوي، النائب السابق في حزب الله، الذي صرح مؤخرًا في مقابلة تلفزيونية بأن "أي شخص يعتقد أنه يمكنه الوصول إلى رئاسة الجمهورية دون موافقة حزب الله سيتم منعه من الحكم، وسيتم القضاء عليه من قبل أبطال مثل حبيب الشرتوني، البطل الوطني الذي قام بواجبه القومي...".

أسفرت مجازر صبرا وشاتيلا عن مقتل مئات، وربما آلاف، من أنصار ياسر عرفات. وقد تسببت هذه المجازر في سقوط الحكومة الإسرائيلية وأثارت الرأي العام الدولي، حيث كانت إسرائيل كقوة احتلال مسؤولة عن حماية السكان المدنيين. وقد أدى سقوط حكومة إسحاق شامير وأرييل شارون إلى عودة سوريا وحلفائها إلى الساحة اللبنانية، وتعزيز حركة أمل وإنشاء حزب الله. استمرت السرية المحيطة بهوية منفذي المجازر لسنوات، مما سمح بتوجيه الاتهامات بالتناوب إلى القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، وإسرائيل، حسب المصالح.

لم يتم فتح تحقيق قضائي في المجازر إلا في عام 2001 في بلجيكا، أي بعد قرابة 20 عامًا من وقوعها، بناءً على دعوى قدمها الناجون ضد القادة الإسرائيليين. كان من بين الشهود إيلي حبيقة، أحد المسؤولين الأمنيين في القوات اللبنانية وقت وقوع المجازر، والذي اشتُبه في كونه عميلاً سوريًا بعد اغتيال بشير الجميل. ازدادت هذه الشكوك بعد أن انضم حبيقة إلى سوريا في عام 1985. بعد احتلال سوريا الكامل للبنان في 1990، تم مكافأة حبيقة بتعيينه وزيرًا ونائبًا عدة مرات بين عامي 1992 و2000.

بعد وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في يونيو 2000، فقد حبيقة نفوذه وخسر مناصبه السياسية. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، حاول التقرب من الأمريكيين، وعرض عليهم مساعدته في محاربة الإرهاب، وتعهد بتقديم شهادته أمام القضاء البلجيكي، مؤكداً أن شهادته "ستقلب الأوضاع الإقليمية رأساً على عقب". تم اغتياله بعد يومين فقط، في يناير 2002.

في الحقيقة، كانت شهادة حبيقة تهدد بالكشف عن هوية من أمروا ونفذوا مجازر صبرا وشاتيلا، مما كان سيضع حدًا لاستغلال النظام السوري للدم الفلسطيني. لم يكن سرًا أن حافظ الأسد استغل منظمة التحرير الفلسطينية لزعزعة استقرار لبنان، ثم قتل الفلسطينيين ليأخذ الورقة الفلسطينية لصالحه. المجازر التي ارتكبها النظام السوري في بيروت، وحصار طرابلس، تظل شاهدة على ذلك. الآن، يعترف الفلسطينيون واللبنانيون وحتى السوريون بأن "نظام الأسد الأب والابن قتل من العرب أكثر من كل الحروب الإسرائيلية العربية مجتمعة".

شهادة حبيقة كانت تشكل تهديدًا حقيقيًا. وفقًا لمصدر في الأمن العام اللبناني، كان حبيقة يمتلك وثيقة موقعة من ضابط سوري تسلم منه مئات الزي الرسمي الكامل للقوات اللبنانية، المتشابه مع زي الجيش الإسرائيلي. وفقًا لهذا المصدر، "كان الكوماندوز السوريون يرتدون هذا الزي الذي قدمه حبيقة عندما نفذوا مجزرة صبرا وشاتيلا". ويضيف المصدر: "بتهديده بكشف هذه المعلومات، حُكم على حبيقة بالموت. تم اغتياله بعد يومين".

مجزرة صبرا وشاتيلا ليست الوحيدة، وإن كانت الأكثر دموية. لم يدخر النظام السوري وعملاؤه اللبنانيون جهدًا في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين والسياديين اللبنانيين، بدءاً من كمال جنبلاط، ثم الإمام موسى الصدر، فطوني فرنجية، قبل أن يصلوا إلى بشير الجميل، ثم رشيد كرامي، والمفتي حسن خالد، والرئيس رينيه معوض. بعد إيلي حبيقة، جاء الدور على رفيق الحريري وشخصيات من ثورة الأرز.

من يمكن تصديقه في هذه المنطقة التي تتعاقب فيها المجازر؟ النظام السوري وحلفاؤه، الذين قتلوا أكثر من 600 ألف شخص، وجرحوا مليون آخرين، وشردوا 12 مليون في سوريا؟ أم إسرائيل التي تضاف مجازرها إلى سجل طويل من الجرائم؟

ومهما يكن، قد يكشف السر وراء مجازر صبرا وشاتيلا بعد 42 عامًا، بفضل شهادات ضابط لبناني سابق. للأسف، معظم الشهود والفاعلين في ذلك الوقت ماتوا، إما بشكل طبيعي أو اغتيلوا لأنهم أصبحوا عبئًا. لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أو مواجهة الحقيقة. لكن من الواضح أن مجازر صبرا وشاتيلا ستظل تُستغل لعقود لطمس الجرائم التي ارتكبها النظام السوري في أماكن أخرى مثل دير عشاش، دير جنين، قاع، طرابلس، والأشرفية.

https://menanews.info/2024/09/16/liban-sabra-et-chatila-de-nouvelles-revelations-sur-le-role-de-damas/


المصدر : MENA NEWS