حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي 


ثمة معضلة أمنية كبرى يواجهها حزب الله بعد عملية التفجير الجماعي لأجهزة "البيجر" التي حدثت يوم الثلاثاء 17 أيلول/سبتمبر 2024. هذه العملية شكلت أزمة وجودية وضعت حزب الله كتنظيم سياسي وعسكري تحت المجهر الصهيوني، حيث تكشف حجم الانكشاف الأمني والخروقات الفاضحة، مما يعني أن العدو الصهيوني على دراية بتفاصيل التفاصيل، بل وحتى يعرف نوايا حزب الله وقيادته وكيف يفكرون، مما يتيح له اتخاذ قرارات متقدمة على الحزب بخطوات. وهذا ما سهل عمليات اغتيال قيادات وكوادر الحزب.


من هنا، ظهر بالأمس أن الخرق الأمني والانكشاف الاستخباراتي للحزب خطر جدًا، بل جعل أجهزته السياسية والأمنية والعسكرية مكشوفة للعدو، الذي بات يعرف كل شيء ويستقرئ القرارات التي سيتخذها الحزب أو بصدد اتخاذها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل امتد الخرق إلى داخل إيران نفسها وعلى مستوى كبير، مما مكن إسرائيل وأجهزتها من تنفيذ عمليات خطيرة جدًا وبارزة، كما سهل مراقبة صفقة الأجهزة المستهدفة من المصدر حتى وصولها إلى حزب الله.


إذا كانت المعلومات المتداولة بالأمس صحيحة حول مصادر شحنة أجهزة "البيجر" الأخيرة، والتي كانت مراقبة منذ لحظاتها الأولى، فإن ذلك سهل للعدو خرق تلك الأجهزة وتفخيخها، مما أتاح له مراقبة المستخدمين وكل الرسائل المتبادلة عبرها. هذا الخرق أتاح للأجهزة الصهيونية الاطلاع على أوضاع حزب الله ووضعه تحت المجهر الاستخباراتي لأشهر، مما جعلها ليست متفوقة في الميدان فقط، بل أيضًا في قراءة المستقبل الذي يخطط له حزب الله. هذا مكن قيادة العدو من تنفيذ ضربة استباقية قبل نصف ساعة من الرد الذي كان حزب الله يخطط له انتقامًا لمقتل قائده فؤاد شكر.


قد تم الكشف بالأمس عن تفاصيل ما تعرفه إسرائيل وأجهزتها نتيجة الخرق الفاضح في جسد الحزب.


من جهة أخرى، أدت عملية الأمس إلى كشف القادة الأمنيين والعسكريين في الجبهات والداخل، وجعلهم مكشوفين تمامًا أمام العدو، مما أدى إلى تحييدهم عن المعركة. هذا يمثل خطرًا كبيرًا على حزب الله.


هذا يؤكد أن الحزب وأجهزته مارسوا، مع بقية اللبنانيين، ما تمارسه الأنظمة العربية الدكتاتورية؛ حيث تراقب أجهزة الحزب الشعب، بينما ينخر العدو الفساد في أجهزته الأمنية. بالتالي، كان أي مواطن أو طرف لبناني، وخاصة الشيعي، يُصنف عميلًا أو عميل سفارة إذا اختلف في الرأي مع حزب الله، في حين أن أجهزته الأمنية مخترقة بالفساد والموساد الصهيوني يعيث فيها فسادًا.
هذا الوضع يفرض على الحزب إعادة ترتيب صفوفه من جديد واتخاذ إجراءات استثنائية، بما في ذلك تغيير الرتب والتراتبية، وخاصة القيادات الأمنية والعسكرية. كما يتطلب إعادة بناء الحزب لتجنب الاختراق الصهيوني. الأهم من ذلك، ينبغي على الحزب أن يتخلى عن ممارساته الاستعلائية تجاه بقية المواطنين والأطراف اللبنانية الأخرى، وأن يقدم اعتذارًا علنيًا لكل اللبنانيين والمعارضين، وخاصة الشيعة، نتيجة ما قامت به قيادته وجيوشه الإلكترونية من إساءات وتصنيفات بالخيانة.


المصدر : Transparency News