شهد لبنان في الأيام الأخيرة واحدة من أكثر الحوادث الدموية في تاريخه الحديث، حيث أسفرت سلسلة من التفجيرات التي استهدفت الأجهزة اللاسلكية عن سقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى، معظمهم في الجنوب وبعلبك وبيروت. هذا الاعتداء غير المسبوق، والذي تركزت فيه الإصابات على العينين والأطراف، دفع الطواقم الطبية إلى سباق مع الزمن لإنقاذ الجرحى، في وقت تعاني فيه المستشفيات من نقص في المستلزمات الطبية، ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه القطاع الصحي في مواجهة هذه الكارثة.


بلغت حصيلة التفجيرات الثانية التي استهدفت الأجهزة اللاسلكية، أمس، 20 شهيداً وأكثر من 470 جريحاً، بينهم 150 في حالات حرجة، مع تسجيل الجنوب لأكبر عدد من الضحايا، يليه بعلبك، ثم بيروت. وبهذا، يرتفع العدد الإجمالي إلى 12 شهيداً و2800 جريحاً منذ بدء هذه الهجمات. 

ورغم أن هذه الانفجارات لا تضاهي كارثة مرفأ بيروت من حيث حجم الإصابات، إلا أن نقابة المستشفيات الخاصة حذرت من خطورة الإصابات هذه المرة، إذ تجاوزت 300 حالة حرجة، معظمها إصابات متعددة في العيون، الأصابع والبطن. 

الدكتور محمد جواد خليفة، أخصائي الجراحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، أشار إلى أن أكثر من 90% من الإصابات تركزت على العينين وأطراف الأصابع، ما استلزم عناية خاصة وتدخلات متعددة من الجراحين. وأوضح أن كل إصابة توازي ثلاث إصابات من حيث التعقيد، ما يرفع العدد الإجمالي الفعلي للإصابات إلى ما بين 6000 و9000 حالة، رغم أن الأجهزة المستخدمة في التفجيرات لا تحمل قوة تفجيرية كبيرة، لكنها استهدفت مناطق حساسة في الجسم، مما أدى إلى أضرار جسيمة، بحسب أطباء متخصصين في الجراحة والترميم.

وأكد الدكتور إلياس جرادي، نائب وطبيب عيون، أن غالبية الإصابات التي عُولجت في المراكز التخصصية كانت بليغة، وبعضها استدعى استئصال العيون التالفة بعد فشل عمليات الترميم. من جهة أخرى، خسر العديد من المصابين أصابعهم، وبعض الحالات استلزمت بتر أربع أصابع.

وفي مواجهة هذه الكارثة، شكلت نقابة الأطباء خليتين استشاريتين مختصتين، إحداهما في طب العيون والأخرى في جراحة اليد والأصابع، لدراسة الحالات وتقديم الاستشارات الطبية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، فإن العديد من الإصابات ما زالت تحتاج إلى مراحل علاجية طويلة.

من جهته، أشار وزير الصحة فراس الأبيض إلى أن القطاع الصحي تمكن من السيطرة على الأزمة خلال نصف الساعة الأولى من وقوع الانفجارات، بفضل خطط الطوارئ التي دُربت عليها المستشفيات. ورغم استقبال ما يقرب من 3000 جريح، لم تسجل معظم المستشفيات حالة من الفوضى، حيث شاركت فرق طبية من مختلف التخصصات في معالجة الجرحى. 

مع ذلك، ظهرت مشكلة نقص المستلزمات الطبية، خاصة في جراحة العيون. العديد من المستشفيات تفتقر إلى المعدات اللازمة لإجراء هذه العمليات، مما اضطر بعضها إلى إحالة المرضى إلى مستشفيات أخرى. كما شهدت الأيام الأخيرة استهلاكاً كبيراً للمستلزمات الطبية، مما دفع نقابة المستشفيات إلى المطالبة بدعم مالي عاجل لتحمل الأعباء المستقبلية.


المصدر : وكالات