سحر ضو


مع طبيعة الوقائع الإقليمية والدولية، فإن كرة النار التي بدأت في غزة، امتدت إلى جبهات أُخرى  منها جنوب لبنان، حتى وصلت في اليومين الاخيرين الى الداخل اللبناني معقل حزب الله في الضاحية، بالهجوم السيبراني الذي شنته اسرائيل على حزب الله كخرق امني بعملية تفخيخ لاجهزة الاتصال البيجر والاسلكي التابعة له مما اسفر عن سقوط الالاف من الجرحى، والعشرات من الشهداء وبذالك تكون قد خرقت القرارات الدولية واستهدفت لبنان ككل وليس حزب الله فقط.
قبل الغوص عميقاً في المستجدات العسكرية وما يرتبط بها سياسياً حيال القرار 1701، فإن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، المتخذ بالإجماع في 11 آب / أغسطس 2006. كان الهدف منه هو حل النزاع اللبناني الإسرائيلي، آنذاك وافقت الحكومة اللبنانية بالإجماع على القرار في 12 آب / أغسطس 2006، وفي ذات اليوم صرَّح حسن نصر الله أن قواته سوف تحترم وقف إطلاق النار. كما صرَّح أنه فور إيقاف إسرائيل لعملياتها الهجومية، سوف يوقف حزب الله هجماته الصاروخية على إسرائيل. وفي 13 آب / أغسطس صوَّتت الحكومة الإسرائيلية لصالح القرار بأغلبية 24 مع القرار مقابل 0 ضده، مع امتناع وزير واحد عن التصويت، وبموجب ذلك تم وقف إطلاق النار في يوم الإثنين 14 آب / أغسطس 2006. 

القرار الاممي 1701 ينص على وقف الأعمال القتالية وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان ونشر قوة إضافية للأمم المتحدة مهتمها مراقبة وقف الأعمال الحربية بالتنسيق مع الجيش اللبناني، كذلك نص القرار على إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، والتي تُعرف بمنطقة جنوب الليطاني على أن تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل. 

إن القرار وجراء حالة التوتر المستمرة وطبيعة الحدود في المنطقة، شهد الكثير من الخروقات سواء من قبل إسرائيل التي واصلت اعتداءاتها وخرقها للأجواء اللبنانية، أو من قبل حزب الله جراء عدم التزام إسرائيل ببنود القرار واستمرار هجماتها على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي دفع حزب الله إلى إبقاء مقاتليه في منطقة جنوب الليطاني. 

ومع التطورات العسكرية سواء في غزة او جنوب لبنان، ثمة الكثير من علامات الإستفهام والتساؤلات حول مصير هذا القرار وما إذا كانت مفاعيله لا تزال نافذه، أو أن هناك ضرورة لإيجاد قرار أممي جديد يُنهي حالة القتال في جنوب لبنان، لا سيما أن هناك خشية إقليمية ودولية من إنفجار الأوضاع في  المنطقة. 

في الآونة الأخيرة تحدثت العديد من الصحف العالمية عن جهود تقودها الولايات المتحدة مع إسرائيل ولبنان بغية ضبط التوترات على الحدود بين البلدين، لابقاء حالة الهدوء ومنع الانجرار إلى حرب واسعة، وبالتوازي تواصل باريس مدعومة من واشنطن مسعاها لتطبيق لبنان القرار 1701، على قاعدة انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني وإنشاء منطقة عازلة؛ ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للقول إن لبنان مستعد لتطبيق القرار شرط انسحاب إسرائيل من أراضيه المحتلة. 
وعند تفنيد مشهد التصعيد اليوم، بداية فإن حزب الله وجراء استمرار الهجمات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية،  يرد على عمليات قتل المدنيين وتوسيع العمليات لنطاق أوسع من 5 كيلومترات.
في المقابل فإن إسرائيل تدرك أن كسرها لقواعد الاشتباك كلياً مع حزب الله، يحتاج لمساندة أميركية عسكرية مباشرة، بينما سلوك الحزب لا يمنحها فرصة، وهنا يمكن القول بأن ما يحدث هو عبارة عن حرب تكتيك بين حزب الله وإسرائيل، والأهم من ذلك فإن كل طرف يحاول هندسة معادلات جديدة لا تخل بقواعد الاشتباك وبما لا يؤثر على جوهر ومضمون القرار الاممي 1701.
وضمن إطار الرد والرد المضاد، ثمة معطيين:
الأول أن إسرائيل تحاول إيصال رسائل إلى الدولة اللبنانية   وضمناً حزب الله، بأنها لا تزال صاحبة اليد الطولى في ميدان جنوب لبنان. 
الثاني يتعلق بحزب الله، إذ لا يزال الحزب يرسل أيضاً إشارات إلى إسرائيل مفادها أن الحزب لديه من المقدرة والإستعداد ما يجعله قادرا على تقديم العديد من المفاجآت بالميدان. 
وضمن المعطيين فإن لا مصلحة لأحد وتحديداً لإسرائيل بالتصعيد في جنوب لبنان، وهي تسعى برعاية واشنطن وباريس وعواصم عربية لإخماد جبهة الجنوب (والهدف الاول لها إعادة شعبها الى الشمال بشكل آمن)، لكن أيضاً فإن حزب الله ومن خلال نوعية الإستهدافات ضد اسرائيل يُبقي على معادلة الردع الواضحة، فإذا أرادت اسرائيل أن تتوقف هذه الجبهة، يجب وقف إطلاق النار بغزة، كهدف أساسي لمعركة جبهات إسناد غزة. 
وهذا ما قد صرح عنه الامين العام لحزب الله في خطابه امس في 19/9/2024.
في السياق نفسه، فقد توعد وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، بإبعاد "حزب الله" إلى ما وراء نهر الليطاني جنوب لبنان، سواء بترتيب سياسي دولي أو بتحرك عسكري استنادا إلى القرار الأممي 1701، ما أدخل "التسوية الدولية في معادلة التوتر الراهنة، بجوار الحرب الشاملة. 
كما شهدت الأيام الماضية، تزايد الحديث في الأوساط السياسية في لبنان عن احتمالات تعديل القرار "1701" ليمثل مخرجا للتوتر الراهن على الحدود، إلا أن مطلعين على مسار الأحداث في البلاد يشيرون إلى أن تعديل القرار أمر غير وارد، وعليه فإن موضوع التعديل غير جدي، ولا يُمكن توقع أن يكون هناك تعديل للقرار 1701 إنما الاتجاه يذهب نحو تطبيقه، كما أن وفداً فرنسياً وأميركياً زار لبنان مؤخراً وتحدث عن تطبيق القرار "1701" وهذا قد يكون المخرج للأمام. 
واقع الحال يؤكد بأن أي تعديل في مضمون القرار 1701 غير وارد بالنسبة لحزب الله، لا سيما أن الأخير وضع محددات أساسية تتعلق بالتصعيد وربط ذلك بإنهاء الحرب في غزة. 
ختاماً فإن انسحاب حزب الله لما وراء نهر الليطاني هو كلام يروّج لتحصيل أمور معنوية تتعلق بإسرائيل، كما أن تطبيق القرار 1701 في ظل حالة التصعيد الحالية هو أمر غير واقعي، سيبقى المشهد في جنوب لبنان والقرار 1701 كما هو، حتى انتهاء حرب غزة ،وعليه ينتظر لبنان اتضاح الرؤية السياسية.