يوسف مرتضى- كاتب سياسي


في حلقة التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 1940 من برنامج الدردشة الذي كان يقدمه الرئيس الـ 32 للولايات المتحدة، فرانكلين روزفلت، للشعب الأميركي، قدّم مثالاً حياً على الفرق بين القيم الديمقراطية الحياتية وخطاب أدولف هتلر. قال: "قطعت تجربة السنتين الماضيتين الشك باليقين، فما من أمة يمكنها أن تتبع التهدئة مع النازية". وانتقد بشدة مفهوم "المفاوضة على السلام" الأميركي مع هتلر كما كان يقترح السفير كينيدي، سفير أميركا في بريطانيا. وسأل المستمعين: "هل يمكنكم أن تفاوضوا على السلام مع عصابة من الخارجين على القانون حاصرت مجتمعكم وأجبرتكم على الخضوع لها لإنقاذ حياتكم؟"، ثم أجاب قائلاً: "هذا هراء. إن هتلر مجنون وحقود، ولا يمكن تدجين النمر وتحويله إلى قطة غير مؤذية عبر تدليله. فلا يمكننا اللجوء إلى التهدئة في وجه العنف".
(نقلًا عن كتاب: ناجيل هاملتون، "القياصرة الأميركيون"، ص 49، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2015).
كان هذا الخطاب مقدمة لدخول أميركا في الحرب مع الحلفاء عام 1941 ضد المحور النازي "الهتلري، الموسوليني، والياباني".
هذه المقدمة تقودني إلى طرح عدة تساؤلات حول حرب نتنياهو وفريقه النازي على غزة وفلسطين، والتي استمرت لأحد عشر شهراً ونيف.

أولاً: لم تكن المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش العدو الصهيوني أقل وحشية من تلك التي ارتكبها هتلر ضد العديد من الشعوب. وبدلاً من أن يتمثّل الرئيس الديمقراطي بايدن بسلفه الديمقراطي روزفلت في التصدي للنمر المتوحش نتنياهو، راح يمده بالغذاء اللازم وكل ما يمكّنه من زيادة وحشيته وفتكه وإجرامه. ليس ذلك فقط، بل عمد إلى تعطيل أي قرار أممي يمكن أن يردع هذا النمر المتوحش عن متابعة إجرامه. فتبًا للديمقراطية الحياتية التي تشدق بها فرانكلين روزفلت. ولماذا ما ينطبق على أميركا وغيرها ممن تهددهم الوحوش أمثال هتلر، لا ينطبق على الشعب الفلسطيني في مواجهة النازي نتنياهو؟

ثانياً: للذين يتساءلون، بحسن نية أو غير ذلك، عن مبادرة المقاومة الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى" التي تسببت، بزعمهم، بكل هذه المجازر الصهيونية في غزة والضفة الغربية، أسأل: ماذا قدم الاحتلال الصهيوني للفلسطينيين خلال 76 عامًا من الاحتلال غير القتل، والتهجير، والاعتقال، والحصار، والإذلال؟ ماذا تبقى من دولة التقسيم لعام 1948 وفق قرار مجلس الأمن الدولي 181؟ ماذا تبقى من الضفة الغربية التي شيدت فيها حكومات نتنياهو في السنوات الأخيرة ما يزيد على ألف مستوطنة يسكنها مليون ومئتا ألف مستوطن بعدما شردوا الفلسطينيين من أرضهم ومنازلهم وحشروهم في مخيمات الإذلال والبؤس؟ حتى الراغبين بالصلاة في المسجد الأقصى باتوا بحاجة إلى إذن دخول من وزير الأمن الإسرائيلي المجرم بن غفير.

أما غزة، المحاصرة لأكثر من 17 عاماً وتعرضت لأكثر من ثلاث حروب دامية، ماذا كانت تنتظر بعدما شهر المجرم نتنياهو خريطته لإسرائيل الكبرى على كامل التراب الفلسطيني أثناء إلقاء خطابه في الأمم المتحدة في 23 أيلول/سبتمبر 2023؟ حتى الدولة المسخ التي نتجت عن اتفاق أوسلو بقيت حبراً على ورق، وشطبها نتنياهو في خطابه المذكور من خارطة فلسطين.

ثالثاً: أين المجتمع الدولي، وما هو مصير قراراته غير القابلة للتنفيذ بفعل استهزاء قيادة الكيان الصهيوني بها، المحمية دائماً بالفيتو الأميركي؟

رابعاً: إذا كان لدى البعض ممن يتساءلون ويخطّئون خيار المواجهة الذي أقدم عليه الفلسطينيون أي بديل عن ذلك، غير الحديث عن وحدة الصف العربي وما شابه من مقولات عفى عليها الزمن، فليقدموه للشعب الفلسطيني الجبار الصابر والمتشبث بأرضه وحقوقه المغتصبة.

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News