جوزف بو هيا


يمر حزب الله اليوم بأكثر لحظاته حساسية منذ تأسيسه، حيث يواجه سلسلة من الضربات العسكرية الإسرائيلية التي تمثل تحديًا غير مسبوق على المستويين العسكري والسياسي. من مجزرة البايجرات إلى الضربة القوية في الضاحية الجنوبية، تظهر علامات واضحة على تراجع قدرة الحزب على المناورة عسكريًا ومعنويًا. فالحزب، الذي كان يمتلك زمام المبادرة في السابق، بات محاصرًا على أكثر من جبهة، وعاجزًا عن الرد بما يتناسب مع حجم التهديدات التي يتعرض لها.

رغم امتلاك حزب الله ترسانة متقدمة من الصواريخ والأسلحة، فإن ردوده الحالية التي تعتمد على أسلحة قديمة مثل الكاتيوشا والغراد، تكشف عن مشكلة أعمق من مجرد ضعف تكتيكي. الحزب لا يفتقر إلى القدرات العسكرية بحد ذاتها، بل إلى القرار السياسي الذي يأتي من طهران. إذ تبدو إيران حذرة للغاية في هذه المرحلة، غير راغبة في تصعيد قد يعكر مصالحها الإقليمية، لا سيما مع وجود مفاوضات غير معلنة مع الولايات المتحدة بشأن ترتيبات أمنية وسياسية قد تحدد معالم المرحلة القادمة.

إسرائيل تدرك هذه المعادلة بعمق وتستغلها إلى أقصى الحدود. فالضربات المتواصلة تستهدف قيادات الحزب والبنى التحتية العسكرية، ليس فقط لإضعاف قدراته، بل لفرض واقع جديد على الأرض قبل أي تسوية إقليمية قادمة. ما تقوم به إسرائيل هو محاولة لدفع حزب الله إلى رد عسكري واسع، وهو السيناريو الذي ترفضه طهران والولايات المتحدة على حد سواء، في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية وحاجة الديمقراطيين إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة لخدمة حملة هاريس الانتخابية.

في هذا السياق، يمكن القول إن حزب الله قد يكون على أعتاب بداية النهاية كقوة عسكرية إقليمية. فالضغوط المتزايدة من إسرائيل، والمناورات الإيرانية التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها دون الانخراط في مواجهة مباشرة، وضعت الحزب في موقف دفاعي صعب. البيئة الحاضنة للحزب بدأت تشعر بالإحباط المتزايد؛ فالأثمان التي يدفعها أنصار الحزب من دمائهم ومستقبلهم تبدو في خدمة أجندة إيرانية لا تضع مصلحتهم على رأس الأولويات.

الواقع الإقليمي يشهد إعادة تشكيل جذرية قد تكون على حساب حزب الله. فمنذ توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل ودول عربية، أصبح واضحًا أن المنطقة تسير نحو إعادة توزيع الأدوار والنفوذ. قد يكون الحزب إحدى الأوراق التي تُستخدم في تسوية كبرى تخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية. إيران، التي ما زالت تسعى لتعزيز نفوذها عبر أدواتها في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة للتنازل عن الحزب كجزء من صفقة شاملة مع الولايات المتحدة. وفي حال توصلت طهران إلى اتفاق مشابه للاتفاق النووي السابق، فإن حزب الله قد يجد نفسه وحيدًا في مواجهة واقع جديد غير مألوف له.

أمام هذه التطورات، يبرز سيناريو آخر لا يقل خطورة على الحزب، وهو تراجع دوره الإقليمي والعودة إلى الساحة المحلية اللبنانية كفاعل سياسي محدود التأثير. في حال استمر الضغط العسكري الإسرائيلي والتقييد السياسي الإيراني، قد يجد حزب الله نفسه مضطرًا إلى التركيز على دوره الداخلي، حيث يمكن أن يتحول من قوة عسكرية إقليمية إلى لاعب محلي يسعى للحفاظ على مكتسباته السياسية والاجتماعية داخل لبنان. هذا السيناريو قد يعيد تشكيل هوية الحزب، الذي استثمر لسنوات في دوره كمقاومة إقليمية، ليصبح معتمدًا بشكل أكبر على نفوذه السياسي في الداخل اللبناني.

في النهاية، حزب الله اليوم أمام مفترق طرق تاريخي. إما أن يتكيف مع التحولات الجيوسياسية ويتراجع تكتيكيًا للحفاظ على دوره كلاعب عسكري مؤثر، أو أن يصبح ضحية لتسوية إقليمية ترسم حدودًا جديدة لدوره في لبنان والمنطقة. حتى اللحظة، يبدو أن الحزب يقف عاجزًا عن الرد الحاسم أو التراجع الذي يعتبره انكسارًا موجعًا، مما يجعل احتمالية تخلي إيران عنه في المستقبل كلاعب إقليمي أمرًا واردًا بقوة.

السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن حزب الله سيظل رهينة للقرار الإيراني، وما لم تتغير حسابات طهران الاستراتيجية، قد يجد الحزب نفسه تدريجيًا خارج المعادلة الإقليمية. أي اتفاق إقليمي أو دولي يلوح في الأفق قد يسدل الستار على دور حزب الله العسكري، ليبقى أمامه خيار التكيف أو التلاشي، وربما العودة إلى دور أكثر تواضعًا على الساحة السياسية المحلية.

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News