مروان هندي


بغض النظر عما إذا كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد تخلّت عن حزب الله من أجل الحفاظ على ديمومتها ومصالحها الحيوية في المنطقة، أو كانت هذه خطوة تكتيكية ضمن سياساتها المعروفة بالصبر الاستراتيجي، مراهنة على وصول كمالا هاريس إلى سدة الرئاسة الأمريكية، فإن هذه السياسة تأتي في وقت تتسارع فيه التغييرات الجيوسياسية والعسكرية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويضع إيران أمام تحديات كبرى تهدد استقرارها ونفوذها في المنطقة.
في المقابل، وبعد "طوفان الأقصى"، تسعى حكومة نتنياهو المتشددة بعزم وإصرار إلى تغيير الواقع الميداني جذريًا بهدف ضمان سلامة واستقرار إسرائيل في المنطقة على المدى الطويل وليس بشكل ظرفي. بعد أن سوّت غزة بالأرض بلا هوادة ولم يتبقَّ فيها سوى بعض فلول حماس، تحولت وجهة المعركة صوب جبهة حزب الله في لبنان.
في هذا السياق، جاءت مفاجأة التفجيرات النوعية باستخدام "البيجر"، وهي تفجيرات غير مسبوقة على مستوى العالم، لتطلق ديناميكية من التفجيرات والضربات والاغتيالات الدقيقة والمتتالية، وصولًا إلى اغتيال حسن نصرالله وقيادات كبيرة في الحزب. هذا المسار الثابت والمتصاعد يؤكد أن الهدف الحقيقي لإسرائيل ليس انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، بل القضاء على التنظيم العسكري والسياسي للحزب.

غير أن حزب الله يُعد درّة التاج للمشروع التوسعي للملالي في إيران، وهو الطرف الرئيسي في فيلق القدس المسؤول عن تصدير الثورة الإسلامية على نهج ولاية الفقيه إلى مختلف أنحاء العالم. علاوة على ذلك، يعد الحزب القائد الميداني الفعلي لمحور الممانعة، الذي يمثل الإطار الأوسع لحلفاء وأذرعة إيران في المنطقة، مثل حماس، والحوثيين، والنظام السوري، وغيرهم.
أما وقد اتخذت إسرائيل قرارها الحاسم بالقضاء على البنية التحتية العسكرية والأمنية والتنظيمية لحزب الله، الذي بات مكشوفًا تمامًا أمنيًا واستخباراتيًا، فإن سقوطه أصبح مسألة وقت لا أكثر. إذ يشير الواقع المستقبلي إلى أن حزب الله أصبح جزءًا من الماضي. ومع خروجه من المعادلة، سيتراجع تلقائيًا نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، الذي يعتمد على الأنشطة الإرهابية والتخريبية. هذا التراجع سيؤدي إلى سلسلة تراجعات وصولًا إلى إيران نفسها. وكما حدث مع الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ، التي سقطت في ظروف مشابهة، ستسقط الجمهورية الإسلامية الإيرانية عاجلًا أو آجلًا، ليصبح المثل القائل "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" واقعًا ملموسًا.

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News