يوسف مرتضى - كاتب سياسي


المصالحة الإيرانية السعودية في الصين كانت بداية التحول الاستراتيجي في السياسة الإيرانية، حيث ظهر للمرة الأولى للعلن التصادم في البناء الفوقي الإيراني، بين مشروع الدولة، ومن رموزه، رفسنجاني وخاتمي وموسوي وكروبي وروحاني واليوم يمثّله بزشكيان وظريف من جهة، ومشروع الثورة، الذي يقوده الحرس الثوري أي السلطة الموازية في طهران من جهة ثانية. بينما يبقى المرشد ممسكاً بالعصى من الوسط، تفادياً لانفجار داخلي حتمي، حيث عوامل حصوله تتقدم بسرعة. فيحتوي المرشد أصحاب مشروع الدولة بتغطية انفتاحهم على المحيط وعلى المجتمع الدولي، على أمل توفير بعض المصالح للشعب الإيراني، ولكن دون أن يمس بقدرات وسياسات قيادة الحرس الثوري الممسك فعلياً بمفاصل الدولة. وكانت أهم بوادر هذا الانقسام بين هذين الاتجاهين، في بروز الخلاف داخل القيادة حول عملية الانتقام لمقتل سليماني التي فضحها الرئيس ترامب بعد الهجوم الإيراني المسرحي على قاعدة عين الأسد  الأميركية. وتتالت بعدها الشواهد والأمثلة على فقدان القدرة لدى القيادة الإيرانية على  اتخاذ قرارات استراتيجية، من عدم الرد على الضربات الإسرائيلية المتتالية لإيران وأذرعها في سوريا، إلى اغتيال اسماعيل هنية.


هذه الإدارة الهشة لبلد غارق بأزمات سياسية واجتماعية ومالية واقتصادية، والذي أطبق عليه الحصار الغربي وأفقره، شرّع أبواب الفساد فيه على أوسع نطاق، فاخترق أمنه بشكل مريب. وكان من أهم الدلالات على ذلك، اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده وتفخيخ مركز نطنز النووي ونجاح الموساد الإسرائيلي في سرقة  الأرشيف النووي الإيراني. 


ومن أهم المؤشرات أيضاً على التصادم بين المشروعين، كانت إقالة إبراهيم شمخاني رئيس المخابرات الإيرانية بعد أيام قليلة على مشاركته في التوقيع على اتفاق المصالحة مع السعودية في الصين. ثم اغتيال الرئيس إبراهيم رئيسي إثر مشاركته في القمتين العربية والإسلامية في الرياض ولقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتسليمه معه بحل الدولتين في فلسطين وفق الرؤية السعودية، ومباركته لنشاط اللجنة العربية الإسلامية المنبثقة عن تلك القمة، في الترويج لهذا الحل الدي يناقض توجهات الحرس الثوري.


 والرئيس الإيراني بزشكيان،الذي انتخب بتوصية من المرشد والذي أوصاه بمتابعة سياسة رئيسي، اندفع بإدلاء التصريحات الممالئة للغرب من مثل : "أن الإيرانيين والأميركيين أخوة "، بعدما نعتوا أميركا لعقود عديدة بالشيطان الأكبر. وفي خطاب ترسيمه أعلن بوضوح عن رغبة بلاده بالانفتاح على دول المحيط وعلى المجتمع الدولي، موحياً بما يشبه الرشوة للغرب بإعلانه حاجة بلاده لمئة مليار دولار من الاستثمارات للنهوض باقتصادها المنهار. وبدوره وزير الخارجية الإيرانية عباس عرقجي أعلن في نييورك بمناسبة دورة اجتماعات الأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من شهر أيلول ٢٠٢٤، عن استعداد إيران للتفاوض المباشر مع الأميركي على الملف النووي إذا كان الفريق الأخر مستعداً لذلك، في وقت كان حزب الله يشيع قادته العسكريين الذين قضوا بضربات العدو الإسرائيلي،ويتلقى منه الضربة تلو الآخرى أمام أعين الإيراني، كل ذلك، فضلاً عن التقييد المشدد الذي مارسته القيادة الإيرانية على حزب الله في رده على الاعتداءات الإسرئيلية بحجة عدم إعطاء الذريعة للعدو الراغب بجرهم إلى حرب شاملة، بينما تحرص طهران على عدم التورط فيها.


هذا السياق لسير الأحداث والمواقف الإيرانية منها، يشي باستجابة هذه الأخيرة للرغبة الأميركية في تحجيم مستوى رد حزب الله على إسرائيل، ربما يساعد ذلك الحزب الديمقراطي في الإنتخابات الرئاسية، وهي أيضاً رغبة إيرانية في مواجهة غريمها قاتل سليماني المرشّح الجمهوري دونالد ترامب.


من هذه الخلفية كان الموقف الإيراني بمثابة إشارة غض نظر استفاد منها الإسرائيلي للانقضاض على حزب الله وإيقاع الخسائر الجسيمة في صفوفه وصولاً إلى تصفية أمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله.


إن حزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله الذي كان على علم ودراية بحالة إيران وأزماتها والتناقضات ببن قياداتها، قد ارتكب بدون أدنى شك خطيئة بحق حزبه وبحق لبنان وشعبه عندما فتح جبهة الجنوب مساندة لغزة في الثامن من أوكتوبر، الذي لم يغيير قيد أنملة من ميزان القوة العسكري لمصلحة المقاومة المسلحة في غزة. 


لقد أثبتت نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة التي ذهب ضحيتها ما يزيد على ألفي شهيد وستة ألاف جريح ومئات ألوف النازحين المشرد معظمهم في العراء، فضلاً عن تدمير ألاف المنازل، أن توازن الردع الذي طالما أتحفنا به حزب الله قد ثبت فشله. بضوء ذلك ومن باب الحرص وليس التشفي، أرى أنه على هذا الحزب أن يقر بفشله ويراجع بقراءة نقدية استراتجيته وسياساته في التعامل مع قواعد دولة القانون والمؤسسات في لبنان، والتسليم بأن سيادة الدولة هي من مهمات مؤسساتها  العسكرية والأمنية الشرعية حصراً. وعلى أساس هذه المراجعة، ومن أجل وضع حدٍ للخسائر المدمرة للحزب وللشعب اللبناني، آمل أن يقدم حزب الله على المبادرة بإعلان فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. وإعلان التزامه بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١ ما يعطي سلطات الدولة الشرعية القدرة والإمكانية للضغط على إسرائيل في المحافل الدولية لإلزامها بتفيده وضمان عدم تمكينها من خرقه.


في هذه الظروف الخطيرة والمصيرية أرى أن المسؤولية الوطنية على مختلف القوى السياسية، ملاقاة حزب الله على مواقفه تلك ومساعدته على الخروج من المأزق الذي وقع فيه، والتعاون معه في السعي والعمل لفك ارتهان لبنان لسياسة المحاور، والتعالي على الجراح والخلافات من اجل توحيد الجهود لانتخاب رئيس للجمهورية وفق قواعد الدستور، تُطلق معه عجلة إعادة بناء مؤسسات الدولة وتمكينها من مواجهة التحديات الناجمة عن العدوان الإسرائيلي  المستمر والمتمادي على لبنان، والتصدي للأزمات المعيشية في مختلف جوانب الحياة التي يعاني منها الشعب اللبناني.


المصدر : Transparency News