كتبت رئيسة اتحاد الشباب العربي في لبنان المحامية جويس مارون


بينما تتزايد التحديات على لبنان، من العدوان الإسرائيلي المستمر إلى الأزمات الداخلية المتفاقمة، يبدو أن البلاد تتجه نحو أزمة متعددة الأوجه قد تنفجر في أي لحظة. ما بين غياب رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال، تتزايد الأسئلة حول مدى قدرة المؤسسات اللبنانية على اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهة التحديات الكبرى. وأحد هذه القرارات المفصلية هو إعلان حالة الطوارئ، التي تبدو اليوم ضرورة قصوى لحماية الأمن الوطني والسيادة.

الأطر القانونية لإعلان حالة الطوارئ في لبنان
القانون اللبناني ينص بوضوح على الأطر التي تحكم إعلان حالة الطوارئ، حيث يُمنح مجلس الوزراء صلاحية إعلانها في حالات محددة وفق المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 (5 آب 1967). تشمل هذه الحالات:

١- حالة الحرب أو العدوان الخارجي: وهو الواقع الذي يفرضه العدوان الإسرائيلي اليوم على لبنان. 

٢- اضطرابات داخلية خطيرة: تهدد الأمن والنظام العام، وهي حتمية في ظل التفكك السياسي والانقسامات الحادة. 

٣- الكوارث الطبيعية: وإن كانت أقل حدوثًا حاليًا، إلا أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية قد ترقى إلى مستوى الكوارث.

إعلان حالة الطوارئ يتطلب مرسومًا من مجلس الوزراء، ويجب عرضه على مجلس النواب للمصادقة خلال ثمانية أيام. في حال رفض البرلمان المصادقة، يُلغى المرسوم تلقائيًا. ولكن في ظل غياب رئيس الجمهورية، تنتقل الصلاحيات وفق المادة 62 من الدستور اللبناني إلى مجلس الوزراء مجتمعًا.

حكومة تصريف الأعمال وحدود القرار
رغم أن حكومة تصريف الأعمال تقتصر صلاحياتها عادة على المهام الإدارية، إلا أن التهديدات الوجودية قد تتطلب تجاوزات دستورية استثنائية. الأمن القومي في خطر، والشعب اللبناني لا يستطيع الانتظار لحل النزاعات السياسية المعقدة. المرونة السياسية والتنسيق بين القوى السياسية أصبحت الآن ضرورة لا بد منها لضمان حماية الدولة والشعب.

قنبلة النزوح الموقوتة: خطر لا يمكن تجاهله
إلى جانب العدوان الخارجي، يواجه لبنان تحديًا داخليًا متفاقمًا يتمثل في أزمة النزوح المتعدد، سواء من النازحين الفلسطينيين من المخيمات أو النزوح السوري المستمر منذ سنوات، بالإضافة إلى اللبنانيين الذين تهجروا نتيجة الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة. هذا الخليط يشكل قنبلة موقوتة تهدد بانفجار اجتماعي واقتصادي إذا لم يتم التعامل معها بجدية وسرعة. الضغوط الاجتماعية الهائلة تزيد من هشاشة الوضع الأمني الداخلي، وتفرض تحديات كبيرة على الدولة اللبنانية التي تواجه انهيارًا في مواردها الأساسية.

انتخاب رئيس الجمهورية: خطوة لا تحتمل التأجيل
وسط كل هذه الأزمات، يبرز السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف يمكن للدولة اللبنانية اتخاذ قرارات مصيرية مثل إعلان حالة الطوارئ في غياب رئيس للجمهورية؟ انتخاب رئيس جديد بات ضرورة قصوى، ليس فقط لتفعيل المؤسسات الدستورية، ولكن لضمان وحدة القرار السياسي في مواجهة التحديات. الفراغ الرئاسي يساهم في تعميق الأزمة ويشل قدرة الدولة على التحرك.

المسؤولية اليوم تقع على عاتق القادة السياسيين اللبنانيين، الذين يجب عليهم تجاوز الخلافات الشخصية والسياسية والتركيز على حماية الوطن. الوقت لم يعد في صالح لبنان، وكل تأخير في انتخاب رئيس وتفعيل المؤسسات سيقود البلاد نحو المزيد من الفوضى والضياع.

الخلاصة: لا مجال للتردد، التحرك الآن ضرورة
إن التهديدات التي تواجه لبنان اليوم تتطلب ردود فعل سريعة وحاسمة. إعلان حالة الطوارئ، رغم تعقيداته القانونية، بات ضرورة لحماية البلاد من الداخل والخارج. ولكن أكثر من ذلك، يتطلب الأمر قيادة سياسية قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية. انتخاب رئيس الجمهورية هو المفتاح الأول لضمان استقرار لبنان في هذه المرحلة الحرجة، ويجب أن يُنظر إليه كأولوية لا تحتمل التأجيل.

على المسؤولين اللبنانيين أن يدركوا أن الوقت ينفد، وأن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفاقم الأزمات. التحرك السريع والفعال هو الحل الوحيد للحفاظ على وحدة لبنان وأمنه واستقراره.


المصدر : Transparency News