بعد عامٍ على اندلاع "حرب المشاغلة" التي شنّها حزب الله ضد إسرائيل دعماً لحركة حماس في مواجهة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتكشف العديد من الحقائق والتداعيات التي أدخلت لبنان في صراع مباشر مع الاحتلال. وبينما تتواصل المعارك بوتيرة متصاعدة على الجبهات الجنوبية، يبقى لبنان في حالة شلل سياسي واقتصادي غير مسبوقة، وسط دمار واسع في مناطقه الحدودية. هذا المشهد يطرح تساؤلات حول ما حققته هذه الحرب وما إذا كانت قد أضافت للبنان أو زادت من أزماته المتراكمة.


مر عام كامل على دخول لبنان في مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، بعد أن شنّ حزب الله ما أسماه "حرب المشاغلة" دعماً لحركة حماس والشعب الفلسطيني، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس ضد القوات الإسرائيلية على حدود قطاع غزة، وأسفرت عن مقتل المئات من الجنود الإسرائيليين وأسر العشرات منهم.

ومع مرور هذه السنة، ظهرت نتائج عديدة لهذه الحرب المستمرة، أبرزها زج لبنان في صراع مباشر مع إسرائيل، على الرغم من أن معظم اللبنانيين، بمن فيهم الحكومة، كانوا بعيدين عن اتخاذ مثل هذا القرار. وفيما انكفأت كل من سوريا وإيران عن المشاركة المباشرة في الحرب، تلاشت أيضاً مقولة "وحدة المسارات" التي كان حزب الله وحلفاؤه يستخدمونها كورقة قوة ضد إسرائيل وخصومهم في الداخل والمنطقة.

إحدى التداعيات الداخلية كانت شلّ العملية السياسية اللبنانية. فحزب الله وحلفاؤه ربطوا انتخاب رئيس للجمهورية وحل الأزمات السياسية الداخلية بانتهاء الحرب على غزة، ما أدى إلى استمرار الفراغ الرئاسي وتعطيل عمل الحكومة، بينما الاقتصاد اللبناني يواصل تدهوره.

ورغم النصائح الداخلية والخارجية الداعية إلى مراجعة واقعية ووقف هذه المواجهة، فإن الصراع امتد إلى مناطق أخرى بعيدة عن خط المواجهة، مستهدفاً قيادات حزب الله ومواقعه، وصولاً إلى محاولة اغتيال المسؤول في حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي ظل فشل كل الوساطات، لا سيما تلك التي قادها المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين حزب الله وإسرائيل بمعزل عن غزة، استمر التصعيد العسكري. وجاء الرد الإسرائيلي بتصعيد عمليات اغتيال قيادات الحزب، بمن فيهم الأمين العام حسن نصرالله، وقصف مراكز الحزب في الجنوب والضاحية الجنوبية، ما أدى إلى تدمير ممنهج للضاحية وتهجير سكانها.

الوضع في لبنان بات حرجاً بعد عام من هذه الحرب، إذ يتعرض الجنوب اللبناني لدمار هائل، ويفوق عدد النازحين المليون، بينما تستمر المواجهات بين الحزب وإسرائيل. في المقابل، تبدو الحلول الدبلوماسية مسدودة في ظل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار، مستفيداً من انشغال الولايات المتحدة بانتخاباتها الرئاسية.

أما في غزة، فلم تؤدِّ حرب المشاغلة إلى وقف أو تقليل وتيرة الهجوم الإسرائيلي على القطاع، حيث استمر القصف والاجتياح، مخلفاً عشرات الآلاف من القتلى والجرحى الفلسطينيين وعمليات تهجير واسعة، في واحدة من أكبر حروب الإبادة في العصر الحديث، وسط صمت دولي وغض طرف أمريكي واضح.


المصدر : اللواء