كتب جوزف بو هيا


في سبتمبر 2024، شهد الشرق الأوسط تحولًا جوهريًا بإعلان اغتيال حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله. لم تكن هذه الحادثة مجرد عملية عسكرية اعتيادية ضمن الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، بل تحمل في طياتها دلالات أعمق على مستوى التوازنات الإقليمية والسياسات الإيرانية الجديدة. اغتيال نصرالله، الشخصية التي كانت لعقود رمزًا للمقاومة ضد إسرائيل، يمثل نقطة تحول حاسمة تتجاوز حزب الله، وتشمل إعادة ترتيب الحسابات السياسية والاستراتيجية في المنطقة.

نصرالله: رمز المقاومة أم عبء استراتيجي؟


منذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 وحرب عام 2006، نجح نصرالله في ترسيخ نفسه كلاعب إقليمي رئيسي. بفضل تحالفاته الواسعة التي امتدت من إيران إلى سوريا والعراق واليمن، أصبح حزب الله قوة رئيسية في المنطقة، ليس فقط على المستوى العسكري بل على الصعيد السياسي أيضًا. تعاظم هذا الدور بشكل ملحوظ بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، عام 2020، حيث بات نصرالله أحد أعمدة "محور المقاومة" الذي تقوده إيران.


ومع ذلك، في الفترة الأخيرة، بدأت مواقف نصرالله الصدامية، وخطابه التصعيدي ضد إسرائيل والغرب، تشكل عبئًا على الاستراتيجية الإيرانية. إيران، التي كانت ترى في خطاب نصرالله قوة وفعالية في الماضي، بدأت تدرك أن نهجه أصبح متعارضًا مع توجهاتها الجديدة، لا سيما مع سعيها لتخفيف الضغوط الاقتصادية وتحقيق نوع من الاستقرار الداخلي في مواجهة الأزمات المتزايدة. في هذا السياق، بدا أن نصرالله، بشخصيته المتحدية وصوته المرتفع، أصبح حجر عثرة أمام جهود إيران لتحقيق توازن جديد مع الغرب.

اغتيال نصرالله: خطوة محسوبة في إطار استراتيجي


توقيت اغتيال نصرالله لم يكن عشوائيًا؛ فقد جاء في فترة حساسة تحاول فيها إيران إعادة صياغة علاقاتها مع الغرب، خصوصًا في ضوء المحادثات حول ملفها النووي. التصريحات العلنية للرئيس الإيراني الجديد، بزشكيان، خلال اجتماعات الأمم المتحدة، أظهرت رغبة واضحة في الحوار والتعاون مع القوى الغربية والدول العربية الخليجية. إيران، التي كانت بحاجة إلى تخفيف التوترات الإقليمية وجذب استثمارات خليجية لتحسين وضعها الاقتصادي، وجدت أن وجود شخصية تصعيدية مثل نصرالله قد يعقد هذه الجهود.


اغتيال نصرالله في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت يعكس بوضوح هذا التحول. وجوده على رأس حزب الله كان يتناقض مع الرسالة التي تسعى القيادة الإيرانية إلى إيصالها للعالم؛ إيران المعتدلة المستعدة للانفتاح على الغرب. نصرالله كان الصوت الذي يتجاوز حتى القيادة الإيرانية نفسها في تصعيده وخطابه المعادي لإسرائيل والغرب ودول الخليج، مما جعل من الضروري تقليص تأثيره لضمان استمرار المفاوضات والمصالحة الإيرانية مع القوى الإقليمية والدولية.

تداعيات اغتيال نصرالله: إعادة ترتيب الأولويات الإيرانية


اغتيال نصرالله لا يمكن عزله عن التحولات السياسية داخل إيران نفسها. في الأشهر الأخيرة، شهدت إيران اغتيال شخصيات بارزة مثل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان. هذه الاغتيالات تعكس جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليص نفوذ التيار المتشدد داخل إيران وفي صفوف حلفائها الإقليميين. القيادة الإيرانية تجد نفسها اليوم أمام معادلة جديدة تتطلب موازنة دقيقة بين مصالحها الداخلية والخارجية.


من جهة، إيران بحاجة ملحة إلى تهدئة التوترات مع الغرب لضمان استقرارها الاقتصادي المتدهور تحت وطأة العقوبات، ومن جهة أخرى، لا تستطيع التخلي عن شبكة حلفائها التي تشكل ركيزة قوتها الإقليمية. ومع ذلك، يبدو أن القيادة الإيرانية، تحت ضغط داخلي متزايد من الشعب الذي بدأ يتململ من استنزاف الموارد في حروب خارجية لا تعود بفائدة ملموسة عليه، قد قررت تقليم "الرؤوس المتشددة" التي تعرقل هذا التحول.


نصرالله، بشخصيته المتحدية ونهجه التصعيدي، كان أحد تلك الشخصيات التي بات الاحتفاظ بها مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا. هذه الاستراتيجية الإيرانية التي تسعى إلى تقليص نفوذ المتشددين ليست مجرد استجابة للضغوط الخارجية، بل تعكس أيضًا استجابة للضغوط الداخلية التي تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحقيق استقرار اجتماعي.


إيران والغرب... نحو صفقة جديدة؟


اغتيال حسن نصرالله يمثل لحظة فارقة في الصراع الإقليمي، ويعكس رغبة إيران في إعادة ترتيب أوراقها السياسية. يمكن اعتبار هذه العملية جزءًا من صفقة غير معلنة بين إيران والغرب، حيث تقدم إيران تنازلات من خلال تقليص نفوذ جماعاتها المتشددة مقابل تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها.


هذه الخطوة، التي قد تبدو على السطح ضربة عسكرية إسرائيلية، تحمل في طياتها أبعادًا أعمق ترتبط بالسعي الإيراني لضمان بقاء النظام السياسي، خاصة في ظل تقدم المرشد الأعلى في العمر، وسعيه لتحقيق استقرار داخلي يضمن استمرارية النظام. على الرغم من أن حزب الله سيظل قائمًا، فإن اغتيال نصرالله يفتح الباب أمام قيادات جديدة قد تكون أقل تصادمية مع الغرب وأكثر استعدادًا للتكيف مع المتغيرات الإقليمية، بما يتماشى مع توجهات إيران الجديدة.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News