حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي


في السابع من الشهر الجاري، حلت الذكرى الأولى لنكبة طوفان الأقصى الذي قادته حركة حماس في غزة، معلنةً الحرب على الكيان الصهيوني بهدف تحرير فلسطين كلها وإزالة أطول احتلال في القرن الحالي. وفي اليوم التالي، أي في الثامن من الشهر ذاته، أعلن حزب الله في لبنان الحرب على إسرائيل، مروجًا لـ"حرب الإشغال" ومساندة المقاومة في غزة.

لم تحرر حركة حماس وفصائل المقاومة المُدجَّنة في غزة فلسطين، ولم يساند حزب الله أو يخفف من وقع الحرب على غزة، بل أدت العمليتان إلى القتل والدمار، وإعادة احتلال مناطق كانت قد تحررت في الماضي.

في غزة، بلغ حجم الدمار حدًا لا يمكن للعقل تصوره؛ فقد استباحت قوات الاحتلال الحجر والبشر، وبلغ عدد القتلى أكثر من مئة ألف قتيل، بعضها معلن ومسجل، والبعض الآخر بقي تحت الأنقاض، وبعض الجثامين نهشتها الحيوانات الشاردة. كما تجاوز عدد الجرحى والمعوقين مئتي ألف، وهناك مئات الآلاف من الأطفال الغزيين الذين يحتاجون إلى متابعة في عيادات الطب النفسي نتيجة ما شاهدوه من مآسٍ وأهوال خلال الحرب. هذا بالإضافة إلى التهجير والنزوح المتكرر داخل القطاع المحاصر. ورغم كل هذا، لا يزال يحيى السنوار يصرح بأنه قادر على خوض حرب استنزاف طويلة مع الكيان الصهيوني، وكأن الضحايا والنازحين من شعبه مجرد حشرات لا يُكترث لهم، وكأنهم أرقام قد لا يذكرها في كتاب مذكراته إذا بقي على قيد الحياة.

أما في لبنان، فقد تحولت "حرب المشاغلة والإسناد" إلى كارثة حقيقية حلت باللبنانيين عمومًا، والجنوبيين وسكان الضاحية الجنوبية والبقاع بشكل خاص، حيث شهد لبنان أكبر عملية نزوح من مناطقه، واحتشد النازحون في الجبل وبيروت في ظروف صعبة تعاني منها الدولة اللبنانية وأوضاعها. ورغم ذلك، لم يكن حزب الله وقيادته قد جهزوا لمعركتهم، أو ربما لم يكترثوا أصلاً لتهجير الأهالي، الذين يعتبرونهم "بيئتهم وأهلهم". ولكن في الحقيقة، هم مجرد أرقام تدفع ضريبة الدمار والدم في سبيل خدمة مشروع حزب الله ومصالح "الولي الفقيه" في طهران، لا أكثر.

في لبنان، كما في غزة، يدفع الشعب الثمن عن مغامرات قيادات عفا عليها الزمن، لا تُعير الإنسان أدنى اهتمام، وكل ما يهمها هو حساباتها السياسية التي تسعى لتحقيقها على حساب الجميع. ورغم خسارتهم الحرب وانهزامهم، لا تزال تلك القيادات في غزة ولبنان تُكابر وتدعي النصر وتعلن هزيمة العدو. ولكن، أي عدو هذا الذي يُهزم؟ طالما بعض من قادتهم لا يزالون على قيد الحياة، فهم يعتبرون أنفسهم منتصرين. وهنا تكمن الكارثة الكبرى، التي تُعبر عن عقلية الإسلام السياسي المتعفنة التي لا تعترف بهزيمة أو انكسار، ولا تقبل بالرأي الآخر، ولا تعترف بأي تراجع حتى ولو كان تكتيكيًا في سبيل "المعركة الكبرى".

هنا تكمن الأزمة في فكر أتباع الإسلام السياسي، الذين يكررون نفس المغامرات ويعيدون ذات النكبات، ويرتكبون نفس الأخطاء دون الاعتراف بأي خطأ أو هزيمة. بئس الدين الذي يتبعونه، وبئس الفكر السياسي الذي يعتنقونه. فهم غلاة الأيديولوجيا وغلاة الدين، والهزائم تلاحقهم أينما ذهبوا، ولكنهم دائمًا يدعون النصر والانتصار.


المصدر : Transparency News