د علي شعيب - أكاديمي وكاتب سياسي


لقد شكل اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله في 27 مايو 2024 نقطة تحول مفصلية لمحور المقاومة والممانعة المنتشر من بيروت إلى طهران. كما شكل مقتل السيد حسن نصر الله صدمة كبيرة للبنانيين، أكانوا من البيئة الحاضنة لحزب الله أو البيئات اللبنانية الإخرى. كما غيّر اغتيال نصر الله والمئات من قيادات حزب الله المشهد السياسي في لبنان برمته.

لعقود من الزمن، كان نصر الله أكثر من مجرد زعيم لحزب الله؛ لقد كان وجهه وصوته تجسيدًا ماديا ومعنويا لقوته. لم يكتسب حضوره الكاريزماتي ولاء قاعدة حزب الله فحسب، بل أكسبه أيضًا اعترافًا على الساحات اللبنانية والإقليمية وحتى الدولية، مما جعله شخصية سياسية هائلة الحجم والفعل قادرة على تغيير معادلات جيوستراتيجية.

بعد مقتل نصر الله، تولى الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، منصب المتحدث الفعلي والزعيم المؤقت بعد أن غاب عن السمع خليفة نصر الله، إبن عمته، والذي كان من المتوقع له أن يصبح الإمين العام الرابع للحزب السيد هاشم صفي الدين.

ومع ذلك، عندما ظهر قاسم على شاشة التلفزيون مؤخرًا، كان افتقاره إلى الكاريزما وصفات القيادة واضحًا للعيان. وعلى النقيض تمامًا من أسلوب نصر الله الواثق والمتسلط، كان خطاب قاسم ضعيفًا، وفشل في إلهام المشاهد المنكوب في وقت وواقع مستجد أصبح فيه بقاء حزب الله كما كان سابقا ضربا من ضروب المستحيلات. فالفراغ الذي خلفه اغتيال نصر الله لا يتعلق بالزعامة فحسب، بل يرتبط أيضاً بالسيطرة على السردية الركيكة الذي كان حزب الله متمسكا بها بقوة في الماضي القريب. تلك السردية التي تقوم على أربع دعائم رئيسية وهي:

أولا، أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، تقف على رجل ونصف، ولا تتحمل الدخول في حرب استنزاف طويلة مع حزب الله.

ثانيا، أن حزب الله أصبح أقوى من الماضي بعد دخوله في حروب خارجية، وبأن لديه اليوم ترسانة عسكرية ضخمة وصواريخ باليستية ومسيّرات دقيقة، وأنفاق وسراديب موصولة بشمال إسرائيل و100 ألف مقاتل جاهز لحرب ضخمة على جبهات متعددة ومختلفة. لا بل كانت قيادات حزب الله تتباهى بقدرتها على التوغل داخل المستعمرات الإسرائيلية في الجليل المحتل والبقاء فيه لمدد طويلة.

ثالثا، أن إيران ، بقدها وقديدها وعدتها وعديدها، ستكون حتما منغمسة من اليوم الأول في عمليات الدعم والمؤازرة والردع وبأن لديها القدرة على إزالة إسرائيل من الوجود في سبع دقائق أو أقل.

رابعا، بأن الدولة اللبنانية، التي تغلغل حزب الله في مفاصلها وصار صاحب القرار الأول فيها، ستدعم استراتيجيا حزب الله وتغطيه في المحافل الدولية والدبلوماسية وتعمل لصالحه.   

وبما أن الهدف من هذه المقالة هو تحليل التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الشيخ نعيم قاسم وتفنيدها بشكل نقدي، وكشف التناقضات والثغرات والمنطق المعيب وراء موقف حزب الله الحالي سوف نقوم بفكفكة خطاب الشيخ قاسم طبقا للأقسام التي أدرجها .

ففي حين يدعي نائب الإمين العام لحزب الله أن حزبه المسلح حتى أسنانه هو المدافع الأوحد عن لبنان، فإن أفعاله منذ حربه الإخيرة أدت إلى دمار واسع النطاق، وخسارة في الأرواح، وانقسامات حادة، وشرخ داخلي واضح للعيان.

ومن خلال تشريح الخطاب الذي قدمه قاسم، تنطلق هذه المقالة من نقطة أن سردية حزب الله خلال الخمسة عشرة سنة الماضية، ومن خلال دعائمها الأربعة، ليست غير ذي جدوى فحسب، بل إنها ضارة أيضاً بالمصلحة الوطنية على المديين المتوسط والطويل.

ومن المهم تسجيل نقطة رئيسية أن هذا التحليل يأخذ بعين الإعتبار بأن إسرائيل هي قوة غاشمة وعدّو لدود، ليس فقط للبنان وإنما للعرب أجمعين، وبأنها لا تتوانى عن الأذية عند الحاجة. والنقطة الأخرى هي الدعوة لإعادة تقييم دور حزب الله ومستقبل وجوده كجيش مسلح غير شرعي بينما يمر لبنان بواحدة من أكثر فتراته خطورة.

بناء على كل ما تقدم، لا بد من محاولة فكفكة منطقية وهادئة لخطاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي شاهدناه على محطات التلفزة اليوم الواقع فيه 15 تشرين الأول 2024. 

1. ادعاء حزب الله بخبرته الواسعة بإسرائيل وقدراته الخارقة في الدفاع عن لبنان

إن ادعاء حزب الله بأنه الطرف الوحيد المخول الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل هو ادعاء مفرط في التبسيط ويتجاهل المصالح الاستراتيجية الأوسع للبنان. إن الدفاع الوطني قضية معقدة تتطلب جهوداً منسقة من قطاعات متعددة من المجتمع، بما في ذلك المؤسسات العسكرية الشرعية للدولة والطرق الدبلوماسية. ومن خلال وضع نفسه باعتباره الحامي الوحيد للبنان، لا يعمل حزب الله على تقويض القوات المسلحة اللبنانية فحسب، بل يضعف أيضاً سيادة لبنان من خلال الاستمرار في العمل خارج سلطة الدولة. ويجب أن يشمل الدفاع الفعّال عن لبنان التعاون مع الحكومة والقنوات الدبلوماسية والشركاء الدوليين لحماية الأراضي اللبنانية مع تقليل خطر المزيد من الدمار.

وقد أثبتت وقائع الهجمات الإسرائيلية الأولى على بنية حزب الله القيادية في العشرة أيام الأولى والتي شلّت فيها إسرائيل نظم اتصالاته وقتلت أكبر قيادييه وهشّمت مقراته ودمرت أعداد كبيرة من مخازن أسلحته وصواريخه ومسيّراته أن كل ادعاءات حزب الله بمعرفة القدرات الإسرائيلية وبأنه قادر على هزيمتها لا تمت إلى الحقيقة بصلة. لا بل أثبتت تلك الوقائع على الأرض أن القيادات المتبقية هي في حالة فرار جماع، يختبئون بين السكان المدنيين وفي مناطق خارج نطاق تحركاتهم الإعتيادية خوفا من الإستهدافات الإسرائيلية.

2. الإدعاء بأن إسرائيل لا تفهم إلا بالقوة

في حين أنه من الصحيح أن إسرائيل لديها تاريخ في الرد بالقوة العسكرية، فإن فكرة أنه لا يمكن التعامل معها إلا من خلال العنف المسلح هي فكرة قصيرة النظر. إن الجهود الدبلوماسية ووقف إطلاق النار كانت تؤدي تاريخياً إلى الحد من العنف وتوفير مساحة لمبادرات بناء السلام كما حصل مع العديد من الدول العربية التي اختارت طرق التفاوض والتسويات والإتفاقات السلمية.

إن إصرار حزب الله على الحفاظ على موقف عسكري عنفي بحت أدى وسيؤدي حتما إلى إدامة دورة العنف، وهي الدورة التي أدت بالفعل إلى معاناة هائلة للمدنيين اللبنانيين. إن الانخراط في دبلوماسية ذات مغزى أو حتى السعي إلى الوساطة الدولية والعودة إلى القرارات الدولية ذات الصلة من شأنه أن يقدم حلولاً بديلة لحماية لبنان دون المزيد من التصعيد والقتل وتدمير المدن والقرى وبناها التحتية.

3. هجمات حزب الله على المنشآت الإسرائيلية كدعم مباشر لغزة

يشّكل ادعاء حزب الله بأن هجماته على المنشآت العسكرية الإسرائيلية كانت لدعم غزة يقدم مبرراً إشكالياً وغير منطقي. فرغم أن هذه الإجراءات قد تكون داعمة رمزياً، إلا أنها أسفرت عن انتقام غير متناسب ضد المدنيين اللبنانيين والبنى العمرانية والإقتصادية والإجتماعية.

إن التدمير الممنهج لمناطق واسعة من لبنان، وخاصة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، لم يفد لا القضية الفلسطينية بشكل عام ولا المدنيين الإبرياء في غزة بشكل خاص كما كان ادعى حزب الله. بل إنه بدلاً من ذلك عرّض ولا زال يعرّض لبنان واللبنانيين لخطر أعظم ولمعاناة كبيرة ومستدامة.

وإذا كان الهدف الأساسي لحزب الله هو دعم غزة، فيتعين عليه أن يعيد النظر في كيفية تأثير أفعاله على لبنان وشعبه في المقام الأول.

4. إستيعاب حزب الله لخسائره واغتيال قادته وإعادة تجميع صفوفه

يزعم نعيم قاسم بأن حزب الله أنه أعاد تجميع صفوفه بعد خسارة الكثير من قياداته، ولكن هذه الحجة كما يقول المثل اللبناني "لا يقلي عجّة." فقد أدى فقدان القيادة وتدمير البنية القيادية الحيوية إلى إضعاف قدرة حزب الله على الاستجابة بفعالية وإدخاله في صدمة لا زال حتى اليوم لم يتعافى منها.

وعلاوة على ذلك، فإن الصراع المسلح المستمر يعرض لبنان لمزيد من الدمار. ولا ينبغي أن يأتي إعادة تجميع قوات حزب الله على حساب استقرار لبنان وسلامته. وبدلاً من الاستمرار في تصعيد الصراع، ينبغي إعطاء الأولوية للانسحاب الاستراتيجي ووقف إطلاق النار والتركيز على إعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم، ومن ثم التحضير لعملية إعادة البناء لمنع المزيد من الأذى للسكان المدنيين في لبنان.

5. قبول وقف إطلاق النار والعودة إلى ظروف ما قبل السابع من أكتوبر 2023

في حين أن استعداد حزب الله لقبول وقف إطلاق النار الفوري قد يبدو وكأنه خطوة نحو خفض التصعيد، فإن الدعوة للعودة إلى ظروف ما قبل عملية "طوفان الإقصى" في أكتوبر 7 تتجاهل القضايا الوطنية التي سبقت الصراع الحالي. إن العودة إلى الوضع الذي كان قائما طبقا للسردية الحزبإلهية التي حكمت السياسة اللبنانية لسنوات طويلة، والساقطة بالقول والفعل والأثر، هو ضرب من ضروب الإنتحار الجماعي.

يحتاج لبنان إلى حل أوسع وأكثر ديمومة يعالج الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار ويضمن عدم تكرار دورات العنف. وعلاوة على ذلك، يجب متابعة أي وقف لإطلاق النار من خلال القنوات الرسمية للدولة، مما يعزز سيادة لبنان بدلاً من ترسيخ سيطرة حزب الله الأحادية الجانب على عملية صنع القرار العسكري والسياسي.

إن مزاعم حزب الله حول استهداف إسرائيل لقوات اليونيفيل وإجلائها قد تكون دقيقة من الناحية الواقعية، ولكنها تسلط الضوء على سلبية اعتماد الحلول العسكرية وحدها لفضّ النزاعات الحدودية.

إن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على الاستقرار على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية. ومن خلال تصعيد الصراع، يعرض حزب الله بشكل غير مباشر وغير مباشر قوات حفظ السلام الدولية للخطر، ويزيد من زعزعة استقرار المنطقة ويسمح لإسرائيل بمساحة أكبر من الحرية للتصرف كما يحلو لها ودون حسيب أو رقيب.

6. عن طموحات إسرائيل الإمبريالية في الشرق الأوسط

في حين أنه من حق أي شخص أو مجموعة أن تنتقد أو تستنكر السياسات الإسرائيلية، وخاصة أفعالها في الضفة الغربية وغزة، فإن تأطير حزب الله لإسرائيل على أنها مدفوعة فقط بالتوسع الإستعماري هو محاولة فاشلة للتغطية على استمرار امتلاكه للسلاح الغير شرعي، ولقرار الحرب والسلم في لبنان، والتمسك بحجة ضرورة مقاومته لإسرائيل إلى أبد الآبدين وليكون سدا منيعا ضد الإستعمار الصهيوني للمنطقة.

وعلاوة على ذلك، غالبًا ما يؤدي مثل هذا الخطاب التعبوي والشعبوي إلى زيادة منسوب وحدّة العنف بدلاً من الحوار البنّاء لإيجاد حلول منصفة لجميع الأطراف تضمنها قرارات دولية ذات صلة.

إذا كان حزب الله يسعى حقًا إلى حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي، فيجب عليه تعزيز الاستراتيجيات التي تخص مقتضيات الدفاع الوطني تحت راية القوى اللبنانية الشرعية، واعتماد الحلول الدبلوماسية لفض الصراعات في المنطقة، بدلاً من إدامة الروايات التحريضية التي تغذي المزيد من عدم الاستقرار في الداخل اللبناني ويؤذي علاقات لبنان مع الخارج.

فليتعظ حزب الله من أمه الرؤوم، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكيف أنها تحاور وتناور دبلوماسيا وتعقد صفقات وتسويات سياسية لضمان استقرار نظامها وأمنها واقتصادها.

7. وعد حزب الله بالقتال إلى أبد الآبدين

إن الالتزام بالقتال المستمر، كما عبر عنه حزب الله على لسان نائب أمينه العام، يسجن لبنان في دوامة عنف لا نهاية لها. كما أثبت خيار اعتماد العنف والعنف المضاد بالفشل المريع في توفير أي مسار واقعي نحو السلام أو الاستقرار المستدام. وهذا هو تماما ما أبقى ويبقي لبنان داخل دوامة العنف والسلاح المتفلت وفقدان الإمن والأمان. فلن تؤدي تلك الحروب المستمرة إلا إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في لبنان، وزيادة الخسائر بين المدنيين، وتآكل البنية التحتية للبلاد.

يجب على حزب الله أن يدرك أن الصراع الدائم ليس مستقبلًا مستدامًا أو مرغوبًا فيه للبنان أو للمنطقة وأن مسارات أخرى - مثل المفاوضات السياسية والدبلوماسية - يجب استكشافها واعتماد أفضلها.

8. الدعوة إلى دعم الشعب اللبناني لحزب الله إلى أجل غير مسمى

إن التوقع بأن يدعم جميع المواطنين اللبنانيين، ومن كل الفئات والتوجهات السياسية والثقافية، قتال حزب الله ظالما أو مظلوما، حتى ولو استغرق الأمر وقتًا طويلاً يدل، أقله، على قصر نظر وعلى قصور في تحليل نبض الشارع اللبناني الذي يغلي من أفعال حزب الله واستكباره واستعلائه عليهم.

يعارض العديد من اللبنانيين، بالفعل وبالقول، عسكرة حزب الله للبلاد وتحميلهم وطأة المعاناة الناجمة عن التصعيد المتكرر مع إسرائيل. إن فشل حزب الله في الاعتراف بتنوع الرأي السياسي والثقافي والفكري داخل لبنان يعكس نهجًا استبداديًا يؤدي في نهاية الأمر إلى قمع كل صوت معارض.

فلا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية من خلال فرض الولاء المطلق بقوة السلاح وبالتهديد والوعيد والترهيب والترغيب؛ لا يمكن بناء جسور ثقة بين المواطنين المتعددي المشارب السياسية والثقافية من دون حوارات جديّ وعميقة يسودها الاحترام المتبادل وإشراك جميع الأصوات السياسية في تحديد مستقبل لبنان.

9. توبيخ وتخوين اللبنانيين الذين لا يتفقون مع توجهاته

إن جهر حزب الله بأن أولئك الذين لا يتفقون مع نهجه هم في حقيقة الأمر منحازون إلى إسرائيل هو تبسيط خطير للمشهد السياسي المعقد في لبنان. مثل هذه التصريحات تخلق الانقسام وتخنق الخطاب السياسي المشروع والذي يضمنه الدستور والقانون اللبناني.

في مجتمع حتى شبه ديمقراطي، يسمح القانون للمعارضة وللآراء المختلفة بان تدلو بدلوها طالما أنها لا تشارك بخطاب كراهية أو تبث الفتنة والفرقة بين أفراد الشعب كما فعل ولا زال يفعل حزب الله تحديدا.

بدلاً من تشويه سمعة أولئك الذين يشككون في استراتجياته وتكتيكاته، ينبغي لحزب الله أن يشجع الحوار الوطني لإيجاد أفضل السبل لحماية لبنان وسيادته وإعادة بناء اقتصاده دون التضحية بالأرواح والبنية الأساسية للنظام وإبقائه في صراع مستمر مع أعداء لا قدرة له على استعدائهم مرضاة لهذا الطرف أو ذاك.

10. طمأنة جمهور حزب الله بشأن إعادة البناء والتجهز للنصر

إن طمأنة الشيخ نعيم قاسم لبيئته الحاضنة، النازحة والمهجرة والمكلومة، بأنه سيعيد البناء والإعمار عندما ينتصر حزبه على إسرائيل، في حين ربما كان المقصود من ذلك غرس الأمل في نفوس النازحين، يثبت بما لا يقبل الشك بأنه منفصل تماما عن الواقع على الأرض. فقد دمرت إسرائيل عشرات الآلاف من المنازل، وخسر لبنان واللبنانيين عدد لا يحصى من الأرواح والأرزاق والبنيات التحتية، وها هي إسرائيل تجرف القرى اللبنانية بعد تدميرها بالكامل.

وسوف يتطلب إعادة البناء مساعدات دولية وموارد كبيرة لا يستطيع لبنان، الذي يعيش بالفعل في حالة من الانهيار الاقتصادي، أن يتحملها.

إن تصرفات حزب الله ستؤدي حتما إلى المزيد من الدمار الذي لا يمكن إصلاحه بشكل واقعي في الأمد القريب. ولا ينبغي تعريف النصر في هذا السياق بالهيمنة العسكرية والأمنية التي تعوّد عليها حزب الله عليها في مسيرته السابقة والحالية بل بالحفاظ على الأرواح وعلى إعادة بناء النظم الحكومية الأساسية ودعم الإستقرار الوطني.

في حين أن الإنتصار الحقيقي للبنان يتطلب إنهاء الأعمال العدائية والتركيز على إعادة بناء علاقات الثقة بين الإطراف اللبنانية المختلفة، والعمل على تجنب دخول لبنان طرفا في الصراعات في المنطقة لضمان أمنه وأمانه واستقراره.

الخلاصة

في الختام، فإن خطاب الشيخ نعيم قاسم أقل ما يقال به بأنه معيب ومهين لجمهور حزبه قبل غيرهم. فإن الإصرار على القوة العسكرية، والموقف الرافض للحلول الدبلوماسية الواضحة، التي كانت قد قبلت بها الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2006 ، والتي يبدو أنها لا تناسب توجهاته وسياساته الداخلية والإقليمية، وتوقع الدعم الشعبي اللامتناهي له، يتجاهل تعقيدات احتياجات لبنان المثخن بالجراح، ويضعه على خط المواجهة مع المجتمع الدولي إلى أمد طويل جدا.

إن حماية لبنان الحقيقية في هذه المرحلة الحرجة تنطوي على إعطاء الأولوية لحماية المدنيين، وانتخاب رئيس للجمهورية بأسرع ما يمكن، والانخراط في الجهود الدبلوماسية لتأمين وقف إطلاق النار في أسرع وقت طبقا لقرارات مجلس الأمن 1559، 2680، 1701، المعطوفة على اتفاق الهدنة في العام 1949والتركيز على إعادة إعمار المناطق المتضررة في جميع أنحاء لبنان بدلاً من هذه المواجهة العبثية المستمرة.

إن حاضر ومستقبل لبنان لا يحتمل تبعات كل تلك الحروب العبثية وخباثة الدخول في صراعات المحاور الإقليمية والدولية، ولكن في بناء دولة عادلة وذات سيادة تعمل لمصلحة مواطنيها المتنوعين. ولا يجب على تلك الدولة السيّدة والحرة أن تكون أداة في يد أي جهة داخلية أو دولة صديقة أو شقيقة، ولا ضد هذا الطرف الإقليمي والدولي ضد ذاك.

وليعلم حزب الله بأن لا شرعية دولية لدولة حرة ومستقلة لا تكّن الإحترام الكامل لقرارات المجتمع الدولي وللمواثيق والتعهدات والإتفاقات التي تبرمها مع الجهات والمؤسسات الدولية التي دأب حزب الله، منذ انتشاره وتغلغله في الدولة اللبنانية ومن ثم السيطرة على قرارها الداخلي والخارجي، على إفشالها وتقطيع أوصالها.