إيران قبل إسرائيل: العوامل التي أدت إلى تهاوي حزب الله
24-10-2024 02:57 PM GMT+03:00
التقييدات والمحددات الإيرانية لحزب الله وتحركاته وفقًا لها، وانصياعه التام دون نقاش التزامًا وتسليمًا عقائديًا أعمى، وتجريد نفسه من هامش الحركة وحرية المناورة واتخاذ القرار بناءً على متطلبات ومتغيرات الأمور، وتركه القرار النهائي لإيران؛ يسير بما تحدده له، ويمنع نفسه مما تنهى عنه، ظنًا بل يقينًا منه بأنها لا تخطئ، كونها من ولدته وأنشأته ورعته. هو مرتبط بها كحبل السرة... كل ذلك وغيره قد عطّل بوصلته وجعله يدور حول نفسه، وقد قصم ظهره وقضى عليه قبل أن تقضي عليه إسرائيل.
ثلاثة قيود تسببت لحزب الله بأخطاء استراتيجية قاتلة، استغلتها إسرائيل وحققت بفضلها إنجازات استراتيجية أكسبتها عناصر المبادرة والمباغتة، والفرصة المثلى لتوجيه الضربة القاصمة. بدأت هذه الضربة بخلخلة حزب الله كمرحلة أولى، تمهيدًا لشله وإنهاكه في مرحلة ثانية، قبل توجيه الضربة القاضية في المرحلة الثالثة.
١- عدم انخراطه كسائر الأذرع الإيرانية مع حماس في 7 أكتوبر تنفيذًا لأوامر إيران. كانت تلك فرصة ذهبية توفرت فيها عناصر السرية والمباغتة والتوقيت المناسب، إلا أن حزب الله تجاهل مبدأ وحدة الساحات الذي كان قد أطلقه محور الممانعة. وعندما حانت ساعة الاختبار، صمت الجميع وتركوا حماس وحدها تتلقى الانتقام الإسرائيلي. في تلك اللحظات، بدأت إسرائيل تخطط لما بعد حماس، إدراكًا منها بأن حزب الله، أقوى تهديد بعد حماس، هو الهدف القادم، دون أن يدرك الحزب أن دوره قد أتى.
٢- فتح جبهة مشاغبة كرفع عتب وتعويضًا عن عدم الانخراط المباشر؛ فما نفعت غزة ولا أضرّت بإسرائيل. اقتصرت هذه التحركات على رميات قصيرة المدى غير مؤثرة في شمال إسرائيل الخالي من المستوطنين. اعتقد الحزب أن حرب غزة ستكون كسابقاتها (2008، 2012، 2014، 2021)، بضع أسابيع وتنتهي إلى تسوية تكون فيها إيران مقرّرًا رئيسيًا. كان يمكن لهذه الجبهة، لو كانت جادة، أن تؤذي إسرائيل وتعيد حساباتها وتساهم في وقف النار وتفيد غزة، لكن الحزب ظل عالقًا بين الحرب واللاحرب بناءً على توصية من إيران. وسيندم بعدها كثيرًا. خلال أسبوع، احتشدت الأساطيل الحربية الأميركية والغربية في المنطقة، لأن أمن إسرائيل بات في خطر شديد. وسيندم محور الممانعة كله على ضياع الفرصة قبل قدوم هذا الحشد.
٣- ربط لبنان بغزة والاستمرار في هذه الفكرة رغم أن الأمور بدأت تميل لصالح إسرائيل بشكل سريع على جميع المستويات الميدانية والمعنوية والتفاوضية. الشعب الإسرائيلي وقف خلف حكومته، وجميع مقدرات إسرائيل دعمت جيشها. أميركا، عبر هوكشتاين، حذرت أن إسرائيل ستتوجه نحو لبنان بعد انتهائها من غزة لضرب حزب الله، لكن التحذير لم يُؤخذ بجدية. ولقطع الطريق على إسرائيل، قدمت أميركا عرضًا بفصل ملف لبنان عن غزة وانسحاب الحزب 10 كيلومترات خلف الحدود اللبنانية مع إسرائيل، كتطبيق جزئي للقرار 1701 دون الخوض في القرار 1559 القاضي بنزع سلاح الميليشيات. لكن الحزب رفض العرض وظن نفسه في موقع القوة. وسيندمون كثيرًا، لأن الحديث بعد ذلك سيكون حول تنفيذ جميع القرارات الدولية بالكامل. حزب الله، خط الدفاع الأول عن إيران، بدأ يتصدع.
في كل ذلك، تسببت الأخطاء الاستراتيجية بانهيارات استراتيجية. الإمكانيات مهما كانت كبيرة وقوية، إن لم تُستخدم في الوقت والمكان المناسبين، سترتد وبالًا على صاحبها. الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي كانت قبل 7 أكتوبر منقسمة ومهزوزة، استعادت قوتها واستغلت إمكانياتها بأقصى طاقتها. أما من وقفوا خلف الطوفان فقد تبين أن فلسطين بالنسبة لهم ليست سوى مطية، وهمهم فقط تنفيذ أوامر أمهم إيران، التي لا تعرف سوى البيع والشراء. وعندما تخسر تجارتها، تبيعهم هم وتغرقهم في ذاك الطوفان.
ما يفعله حزب الله الآن بعد انتكاسته الكبرى، كان عليه فعله قبل أن ينتكس. وكان بإمكانه تثبيت بعض وجوده. لكن الآن، بسبب غطرسته وانقياده التام لتوجيهات من أنشأه، وتوهمه أنه يملك اللعبة، تبين له أنه مجرد بيدق يُضحى به على رقعة الشطرنج.
المصدر : Transparency News