جوزف بو هيا


مع بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان، تغيّر المشهد الشعبي لدى بعض اللبنانيين. ففيما كان حزب الله يبسط سيطرته على الدولة اللبنانية بقبضة من حديد، يحاول البعض اليوم، بأساليب ملتوية وخبيثة، إخماد كل محاولات التحرر من الخوف. يرفع هؤلاء شعارات مثل "لا شماتة" أو "يجب التعاطف"، وكأنهم بذلك يسعون إلى تبييض صفحة حزب الله وتبرير الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب اللبناني على مدى سنوات، وكأن المطلوب منا أن ننسى ونغض الطرف عن جلاد احتفل مرارًا بسقوط شهدائنا.

كيف للبنانيين أن يتجاهلوا هذا الماضي المؤلم، الذي شمل سلسلة من الاغتيالات السياسية، بدءًا من محاولة اغتيال مروان حمادة، مرورًا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولًا إلى الشهيد باسكال سليمان؟ حزب الله، الذي أظهر فائضًا من القوة وتبجح بسلاحه، لم يُبدِ يومًا أي تعاطف مع الضحايا، ولم يقف إلى جانب أي فئة لبنانية متضررة. بل على العكس، اعتبر أحداث 7 أيار "يومًا مجيدًا"، ولم يتردد في تهديد اللبنانيين، وخصوصًا المسيحيين، بمئة ألف مقاتل جاهزين لقمع أي معارضة، كما رأينا بعد أحداث الطيونة.

عندما أصدرت المحكمة الدولية قراراتها في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، لم يتردد حزب الله في الدفاع عن المتهمين، واصفًا إياهم بالأبطال والقديسين، متجاهلاً القضاء اللبناني والدولي على حدٍ سواء. وفي ملف مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة المئات من الأبرياء، وقف حزب الله بالمرصاد لتحقيقات القاضي بيطار، مهددًا إياه قبل أن تصل التحقيقات حتى إلى مرحلة القرار الظني. لقد منع المساءلة وكأن العدالة في لبنان رهينة سلاحه.

وعندما طُرح ملف حصر السلاح بيد الدولة، جاء الرد من الحزب واضحًا: "من يمس سلاح المقاومة ستُقطع يده". هكذا، فرض حزب الله سطوته على اللبنانيين لسنوات طويلة، مستغلًا الخوف والترهيب.

اليوم، يحاول البعض إقناعنا بأنه ينبغي علينا ألا نشمت بما يجري لحزب الله، وكأنهم يسعون إلى إبقاء الشعب اللبناني تحت نير الخوف نفسه. اللبنانيون، بطبيعتهم، لا يشمتون، فهم أكبر من ذلك بكثير، لكنهم بالتأكيد لم ينسوا. الخوف الذي كان جاثمًا على صدورهم لسنوات بدأ يتلاشى، وبدأ البعض يستفيق من الرعب الذي فرضه الحزب. نحن لا نحتفل بما تقوم به إسرائيل، ولكننا لا نغفل عن دماء شهدائنا وضحايانا الذين سقطوا على يد حزب الله.

نحن لسنا عملاء، بل أبناء هذا الوطن، وحان الوقت لرفع الصوت والمطالبة بالمحاسبة. نحن من قدم دروسًا في الوطنية الحقيقية والتضامن الصادق مع المدنيين، في حين سعى البعض لتغيير هوية لبنان عبر الارتهان للمشروع الإيراني. هؤلاء مصيرهم الزوال، مهما طال الزمن، لأن هذا هو المسار الطبيعي للتاريخ. حزب الله، على الرغم من قوته المتراجعة وسلاحه الفارغ من الشرعية، لن يقف طويلاً أمام إرادة الشعب اللبناني، الذي لطالما عرف كيف يستعيد حريته واستقلاله. أما الادعاء بأن "اليوم وقت المعركة وليس وقت الحساب"، فهو حجة واهية وساقطة، لأن العدالة لا تعرف التأجيل أو التسويف تحت أي ظرف.

رحلة السقوط قد بدأت بالفعل، واللبنانيون، من جميع طوائفهم ومناطقهم، يدركون أن لحظة التغيير قد حانت، وأن لبنان الذي يسعى إلى استعادة استقلاله وسيادته هو لبنان الذي يستحق أن نحيا فيه.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News").


المصدر : Transparency News