كتب ميشال طوق


في ظل ما يمرّ به لبنان من ويلات الحروب التي لا تبدو نهايتها قريبة، ومن عمق المعاناة التي يعيشها جميع اللبنانيين بشكل متفاوت، ظهرت في الآونة الأخيرة تسجيلات صوتية وفيديوهات تعكس آلام أصحابها وتدفعهم إلى الشك بكل شيء؛ بالله، والأنبياء، وصولًا إلى الكفر، عند بعض الإخوة الشيعة، بالمهدي المنتظر، تعبيرًا عن معاناتهم الشديدة.


الكثير من خارج البيئة الشيعية لا يعرفون من هو المهدي المنتظر؟ ولماذا يمثل محور العقيدة الشيعية الإثني عشرية؟ وبناءً على التساؤلات من الأقارب والأصدقاء، سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على الموضوع وخلفياته، مع طرح بعض الأسئلة المشروعة.

من هو المهدي المنتظر؟


الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري، وُلد في العراق بمدينة سامراء في دار أبيه، ليلة الجمعة، في الخامس عشر من شعبان سنة 255 هجري (الموافق 869 ميلادي). والدته هي نرجس، وهي جارية من نسبٍ إمبراطوري، يروى أن اسمها كان مليكة وأنها ابنة قيصر الروم وقعت في أسر المسلمين. يُقال إنّ عمته حكيمة هي من قامت بتوليده، وذلك بناءً على طلب والده الإمام العسكري، رغم أن الحمل لم يكن ظاهرًا عليها. قيل إن ذلك كان لحمايته، تمامًا كما كانت حال أم موسى التي لم يظهر عليها الحمل لحمايته من فرعون وجنوده الذين كانوا يطاردون كل امرأة حامل خشية على ملك فرعون. وقد سعى الإمام العسكري إلى إبقاء ولده سرًا خوفًا من سطوة الدولة العباسية التي كانت تتنكّل بالعلويين في ذلك الوقت، خصوصًا وأنه كان في إقامة جبرية في مدينة العسكر تحت مراقبة السلطة.
بعد أن أعلن عن نفسه وصلى على جنازة أبيه أمام الناس، في الجمعة الثامنة من ربيع الأول سنة 260 هجري (الموافق 874 ميلادي)، اختفى الإمام عن الأنظار لتبدأ ما يعرف عند الشيعة بـ"الغيبة الصغرى"، التي استمرت حوالي سبعين سنة، وتولى خلالها أربعة نواب التحدث باسمه: عثمان بن سعيد العمري، محمد بن عثمان العمري، الحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري. ثم بدأت "الغيبة الكبرى" بعد وفاة نائبه الأخير علي السمري سنة 329 هجري، حيث انتهت النيابة وخرجت رسالة من الإمام المهدي تُعلن عدم وجود نائب مباشر له بعد ذلك. أوصى الإمام بأن يرجع الناس إلى الفقهاء والعلماء المتخصصين في الدين، وهو ما تحول لاحقًا إلى مفهوم "المرجعية الشيعية". ومن المتوقع أن تستمر هذه الغيبة حتى يأذن الله بظهوره.

هذه، باختصار، قصة الإمام المهدي من ولادته حتى غيابه، ويتولى الولي الفقيه دوره حتى يعود، دون الدخول في صحة أو عدم صحة هذه العقيدة التي تمثل نقطة اختلاف جوهرية مع بقية المسلمين. 
تتباين الآراء حول اسم والدته، أو سنة ولادته، أو اختفائه، أو حتى عمره الذي يقترب من 1200 سنة، إضافة إلى اختلافات حول اسمه واسم أبيه. فقد جاء عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديثٍ لأبي داود قوله: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلًا من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا."

حكاية المهدي المنتظر


يجدر الإشارة إلى أن قصة المهدي المنتظر لا أصل لها في القرآن، فلم ترد أي إشارة مباشرة إليها.


أما "الولي الفقيه"، فهو القائد الشرعي في غياب الإمام المهدي، ويقود الأمة وفقًا لما يرى أنه حكم الله على الأرض. وتتبع جميع المرجعيات الشيعية الولي الفقيه طاعةً لأوامره، خاصة في المسائل التي تتعلق بأمن المجتمع والدولة، كالموقف من الحرب والسلم. إذا انقسم المجتمع حول قضايا الحرب والسلم، يتولى ولي الفقيه توجيه القرار ويعتبر حكمه ملزمًا على الجميع باعتباره "أمرًا ولائيًا" يجب طاعته.


هو القائد الأعلى في هذه العقيدة وأوامره غير قابلة للنقاش. وقد صرّح الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله بذلك علنًا في أحد خطاباته، مؤكدًا على أن الطاعة عمياء وتُنفذ بدقة.
وبغض النظر عن مدى صحة هذه العقيدة، وبفرض صحتها، فإننا نود أن نسأل إخواننا الشيعة:


هل تسلمون فعلًا بولاية شخص يبعد آلاف الكيلومترات، من بيئة مختلفة تمامًا، وحتماً لا يملك جميع المعطيات المتاحة بسبب بعده واختلاف طريقة تفكيره؟ وهذا ما نشهده اليوم من ويلات!
وإذا فرضنا جدلًا أن المهدي يمتلك قدرات خارقة، فهل تظنون حقًا أن شخصًا بهذه القوة المهولة التي تبقيه حيًا لـ 1200 سنة يحتاج إلى مساعدة البشر لإعداد الأرضية المناسبة لظهوره؟ هل هذا "الشبه خالد" بحاجة إلى قوة الفانين؟


كل الصراعات في منطقتنا تدور بشكل كبير حول هذه الفكرة، مع مئات العلامات والأحداث التي يرى بعض العلماء أنها دلائل على ظهور المهدي، ولكن معظمها مر دون أن يتحقق شيء منها، ولا نعلم متى قد تتكرر.


فهل نحن بحاجة إلى أن نعلق مصيرنا بمعتقد ما، ونُدمر وطننا مرارًا من أجل عقائد وإيديولوجيات لم تفدنا يومًا؟ من "جيش المسلمين" في سبعينات القرن الماضي إلى "جيش المهدي" اليوم، وما بينهما، بينما نحن قادرون على العيش في دولة مدنية تحفظ حقوق الجميع، وتضمن ولاء المواطنين للدولة وقوانينها فقط، وتترك حرية المعتقد لكل فرد؟


حان الوقت للتفكير بوطنية وعقلانية بعيدًا عن التعصب، بعيدًا عن العقائد، لأجل مستقبلنا ومستقبل أولادنا.


المصدر : Transparency News