خليل الكردي


كانت ليلة الأمس ليلة استثنائية بامتياز، حيث تحولت السماء الإيرانية إلى ساحة للمواجهة المباشرة مع إسرائيل. لم يكن هذا الهجوم مجرد عملية عسكرية عابرة، بل لحظة مفصلية في تاريخ الصراع، ترسم ملامح حقبة جديدة في الشرق الأوسط. الحملة الجوية الإسرائيلية لم تكن مفاجئة، إذ كانت الأنظار تتطلع إلى مثل هذا التحرك، لكنها تجاوزت التوقعات، محققةً أهدافًا عسكرية بالغة الأهمية.
عدد من التقارير أشار إلى أن إسرائيل دفعت بمئة طائرة مقاتلة، قطعت مسافة تقدر بألفي كيلومتر للوصول إلى عمق إيران. لم يكن الهدف استهداف المنشآت النووية أو مواقع النفط الحساسة، كما كان متوقعًا، بل تمركزت الضربات على مواقع استراتيجية تتضمن منشآت صواريخ باليستية، مصانع الطائرات دون طيار، وأنظمة الدفاع الجوي. في غضون ساعات، نجحت الضربات في توجيه ضربة قوية للبنية العسكرية الإيرانية، مستهدفةً القوة الضاربة للحرس الثوري الإيراني.

إن الهجوم لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل عملية تهدف إلى قلب الموازين، وتحدي السردية الإيرانية التي لطالما استندت إلى أن إسرائيل عاجزة عن ضربها بسبب بُعد المسافة وتطور الدفاعات. بيد أن الطيران الإسرائيلي أثبت بوضوح أن إيران ليست بمنأى عن ضرباته، وأن قدراته الجوية تجعلها جارة فعلية لطهران، تمامًا كما تعتبر إيران نفسها قريبة من إسرائيل عبر وكلائها في لبنان وسوريا والعراق.

لقد سقطت هنا فكرة "الحرب البديلة"؛ فلم تعد هناك حاجة لاستخدام الوسطاء والوكلاء لإدارة الصراع. وبذلك، فتح هذا الهجوم الباب أمام مواجهة مباشرة محتملة بين الطرفين، مما يعني إمكانية إنهاء مرحلة حروب الوكالة والانتقال إلى صدام مفتوح بين القوى الأساسية.

التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف ستتجاوب إيران مع هذا التحدي؟ هل ستختار الرد العلني والمباشر، مما قد يُعطي إسرائيل مبررًا لتوسيع عملياتها مستقبلًا، أم ستتجنب التصعيد متجنبةً الدخول في مواجهة قد تكون لها عواقب بعيدة المدى على الساحة الإقليمية؟ سيكون القرار الإيراني بالغ الحساسية، إذ إن أي رد فعل قد يجرّ المنطقة إلى تصعيد أوسع في ظل أجواء دولية مشحونة.

أما بالنسبة لسوريا، فإن دمشق تبدو الآن خارج إطار الصراع؛ فقد تراجع دورها في محور المقاومة، وأصبح النظام السوري يسعى إلى تثبيت أركانه تحت مظلة روسية وعربية دون الانجرار إلى مغامرات عسكرية جديدة. يبدو أن الأسد بات يفضل الحفاظ على وضعه القائم، بعيدًا عن رهانات المحاور الإقليمية.

في المحصلة، إن الهجوم الإسرائيلي على إيران ليس مجرد حادثة عسكرية عابرة، بل هو نقطة تحول تُسقط أوهام المسافات والحواجز. لقد دخلنا في مرحلة جديدة من الصراع، ستكون لها انعكاسات بعيدة المدى على موازين القوى الإقليمية. ما حدث الليلة الماضية يُبشر بتحولات كبرى، إما نحو تصعيد شامل أو نحو إعادة ترتيب الأولويات في المنطقة، لتأخذ الصراعات أبعادًا جديدة تتجاوز الماضي المعتاد.


المصدر : Transparency News