يوسف مرتضى - كاتب سياسي


تعود جذور ما يتعرض له لبنان من عدوان خارجي وانقسام داخلي إلى مشهدية تحاكي الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حيث تم تطيف المقاومة اللبنانية بإرادة مشتركة سورية-إيرانية منذ العام 1988، مع استثناء حزب الله من بند حل المليشيات الوارد في اتفاق الطائف عام 1989.

ثم تكرّس تورط لبنان بعد تحريره من الاحتلال الصهيوني في أيار عام 2000 كساحة لتحسين شروط التفاوض الإيراني-السوري مع الأميركيين، تحقيقًا لمصالحهما بعيدًا عن مصلحة لبنان وفلسطين، من خلال افتعال قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بعد انسحاب قوات العدو للإبقاء على ذريعة المقاومة.

ومرة أخرى، كان يمكن تفادي رهن لبنان لمشروع التوسع الإيراني في المنطقة، لو أن الأحزاب المشاركة في 14 آذار (القوات اللبنانية، تيار المستقبل، الحزب التقدمي الاشتراكي) لم يدخلوا في التحالف الرباعي عام 2005 مع الثنائي الشيعي، حيث ارتضوا تجاوز بند حل المليشيات وسحب سلاح حزب الله، على غرار ما انطبق على سائر المليشيات اللبنانية وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف، مقابل تحاصصهم للسلطتين التشريعية والتنفيذية معه.

استفاد حزب الله من أولوية اهتمام الأحزاب والقوى السياسية الأخرى بدورهم وحجمهم في السلطة، على حساب فكرة بناء الدولة، حيث كانوا جميعًا، إبان الوصاية السورية وبعدها، شركاء في تكريس حكم الاستثناء المتجاوز للدستور والقانون عبر قوانين انتخابية لمرة واحدة تؤمن استمرار تحاصصهم وبناء حكومات على نفس القاعدة. وبذلك، أصبح الحزب الذي يتلقى دعمًا إيرانيًا غير محدود، الفريق الأقوى القادر على فرض الشروط.

ولعب لاحقًا تفاهم مار مخايل وتفاهمات معراب وبيت الوسط، دورًا مهمًا في تعزيز قبضة الحزب على رئاسة الجمهورية والسلطتين التشريعية والتنفيذية، وتعطيل السلطة القضائية. وأصبح حزب الله يمسك بقرار الحرب والسلم دون أن تكون للسلطة الرسمية أي قدرة على ردعه.

بعد دعم حزب الله لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، رفع شعار "نحمي ونبني"، متخليًا بذلك عن شعار تحرير فلسطين، لتصبح حجة التمسك بالمقاومة هي إقامة توازن الردع مع العدو الإسرائيلي.

دخل حزب الله في فتح جبهة إسناد غزة بمعزل عن الشركاء في الدولة والوطن. وقد واجه العدوان وجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة إدانة لبنانية شاملة، وأظهر تضامنًا سياسيًا لبنانيًا عامرًا في الداخل والخارج مع نضال وتضحيات الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المشروعة. في وقت لم تقدم جبهة الإسناد التي امتدت لمدة عام تقريبًا أي تعديل في ميزان القوى لمصلحة المقاومة الفلسطينية ضد العدو الإسرائيلي في غزة.

ومع توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان وشموله مختلف المناطق اللبنانية، ذهب ضحيته أكثر من 2500 شهيد و3500 جريح، وتشريد ما لا يقل عن مليون ونصف المليون نسمة.

ومع النظر بإيجابية كبيرة لمبادرة جمع النواب من مختلف الكتل في المجلس النيابي في 28/10/2024 للتصدي لقضية النزوح، أرى أنه من الضروري جدًا ملاقاة المبادرة الثلاثية للرئيسين بري وميقاتي ووليد جنبلاط، لتوحيد اللبنانيين تحت سقف مشروع الدولة ومواجهة جميع الوصايات، وفي مقدمتها الوصاية الإيرانية، بالارتكاز إلى الموقف الذي أعلنه الرئيس ميقاتي ضد تدخل وزير خارجية إيران عباس عرقجي، الذي أيده أيضًا الرئيس بري المفوض من قبل حزب الله، والذي لاقى ترحيبًا من مختلف أفرقاء الطيف اللبناني.

إن الموقف الذي أطلقه الرئيس ميقاتي في كلمته في مؤتمر باريس لدعم لبنان، والذي أيده الرئيس بري حول تعهد لبنان بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بكل مندرجاته، الذي كرره مرتين، ثم شدد عليه في كلمته أمام الصحافيين، مشروطًا التزام إسرائيل بتنفيذه، هو تطور إيجابي يدعو أفرقاء المعارضة والمستقلين إلى ملاقاة هذه المبادرة التي تتضمن أيضًا التعهد بالإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية في غضون أسبوع من لحظة وقف إطلاق النار.

ولأن قضية النزوح قد تتحول في لحظة ما إلى أرضية للنزاع الطائفي في لبنان، أرى أن الوقت أكثر من مواتٍ لإطلاق مبادرة وطنية تنقذ شعبنا ووطنا من مخاطر استمرار العدوان الإسرائيلي، تتجاوز فيها الجميع الحسابات الحزبية والفئوية والطائفية والمناطقية والشخصية، فمصلحة الشعب والوطن تعلو على ما عداها في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ لبنان. وأرى أن هذه المبادرة، التي آمل أن يتبناها نواب التغيير، ترتكز على المبادئ والخطوات التالية:

المبادرة لا تدعو بتاتًا إلى تجاوز اعتبارات الخلافات السياسية مع حزب الله، ولكن لأنها تصبو إلى الدعوة للوحدة الوطنية والتأكيد على مبدأ الشراكة الوطنية، يجب أن تكون بعيدة عن منطق التشفي بما يتعرض له حزب الله في مواجهة العدو الصهيوني أو الاستناد إليه.

اعتبار صمود حزب الله في مواجهة العدوان، أمرًا يعزز شروط لبنان في التفاوض مع العدو من أجل تأمين الظروف الملائمة لخروج لبنان من أتون هذه الحرب، وبما يضمن استقلال وسيادة لبنان، وليس انتصارًا له. على أن يؤسس ذلك لإعادة الاعتبار لمشروع الدولة من قبل جميع الأفرقاء، بما فيهم حزب الله، على أسس الشراكة الوطنية تحت سقف الدستور ووفق اتفاق الطائف دون استنسابية أو اجتزاء.

أن تدعو المبادرة إلى التوافق بين مختلف القوى السياسية على أن يكون المفاوض اللبناني الرسمي هو المفاوض الوحيد فيما يتعلق بتطبيق القرار 1701، وتعهد حزب الله ضمن هذه الشراكة بالتزام تنفيذ ما يتفق عليه بعيدًا عن أي مؤثرات خارجية.

إدراج قضية الاستراتيجية الدفاعية كبند أساسي في التوافق اللبناني-اللبناني، التي يجب أن يسبقها وقف إطلاق النار وتأمين الضمانات الدولية لإلزام إسرائيل بتنفيذه.

هذه الأفكار، وقد يضاف إليها أفكار أخرى، تشكل عناوين لإطلاق مبادرة لعقد مؤتمر وطني يشمل كافة الكتل النيابية في المجلس النيابي بأسرع وقت ممكن.


المصدر : Transparency News