أشار الدكتور وليد فارس، الخبير السياسي الأميركي ومستشار الشؤون الدولية لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى أهمية المرحلة الراهنة بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأميركية وأثرها على السياسات المستقبلية.


وعبر مساحة على منصة "أكس" شارك فيها نخبة من الناشطين السياسيين اللبنانيين والعرب، اعتبر فارس أن كل النقاشات السابقة، التي قد تكون تحذيرات أو تحليلات، ستُسجل في الذاكرة التاريخية، بينما ما يتم تداوله الآن هو عبارة عن توقعات نظرية في وقت حاسم، حيث الانتخابات في مراحلها النهائية قبل إعلان النتائج ومعرفة هوية الرئيس الجديد للولايات المتحدة. وقال فارس: "قبل الانتخابات لن يكون كما بعدها".

في تحليله للانتخابات الأميركية الحالية، أكد فارس أن التصويت المبكر قد بدأ وأن الملايين من الأميركيين أدلوا بأصواتهم، لكن لم تصل النسبة إلى الأغلبية حتى الآن. وأوضح أن الانتخابات الحالية تختلف بشكل كبير عن انتخابات 2020 بسبب الظروف الجغرافية وتأثيرات جائحة كورونا. وأشار إلى أن انتخابات 2016 كانت الأقرب للظروف الحالية، حيث كان مستشارًا للرئيس السابق دونالد ترامب في الشؤون الخارجية آنذاك.

وتابع فارس، في عام 2016، كانت الآلة الانتخابية للحزب الديمقراطي أقوى من نظيرتها في الحزب الجمهوري، ولكن ترامب تمكن من إحداث تغيير مفاجئ بتفجير المشهد الانتخابي بشحنة من العواطف مما أدى إلى فوزه. أما في انتخابات 2020، فلم يحقق ترامب نفس النجاح لأنه كان في السلطة ومُحاصَر سياسياً، ولم تكن لديه الخبرة السياسية الكافية لكونه قادمًا من خلفية اقتصادية.

وأضاف فارس إلى أن الوضع اليوم متوازن إلى حد ما، حيث يمتلك الديمقراطيون ميزانيات أكبر، لكن ترامب نجح في السيطرة على حزبه بشكل أقوى هذه المرة. وخلص إلى أن هناك عاملين سيحددان نتيجة الانتخابات الحالية: قدرة حملة ترامب على تقسيم أصوات الأقليات في المعسكر المنافس، وضمان نزاهة وصحة الانتخابات.

أما من ناحية تحليله للوضع في لبنان والعلاقات الإقليمية المعقدة، اعتبر فارس أن الافتراضات السابقة لبعض المحللين حول وجود اتفاق ضمني بين إيران وإسرائيل أو بين حزب الله وإسرائيل قد سقطت مع اندلاع الحرب الفعلية في لبنان. وأكد أن إسرائيل تسعى لتفريغ حزب الله من قياداته، مشبهًا هذا الأمر بعملية تفريغ  "البطيخة"، في إشارة إلى السعي الحثيث لتفكيك بنية الحزب القيادية

وتابع أن البعض كان يعتقد أن الولايات المتحدة قد تتدخل لمساعدة لبنان ومنع الحرب، لكنه شدد على أن هذا الأمر غير ممكن. فالدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا تقدم المساعدة لدولة أخرى قبل أن تضمن مصالحها أولاً. ولذلك، يرى أن على المسؤولين اللبنانيين اليوم السعي لتوفير أكبر قدر من الحماية للشعب اللبناني بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات.

وأشار فارس إلى أن الوضع قد خرج عن السيطرة، ولم يعد من الممكن منع توسيع رقعة الحرب أو وقفها. ولفت إلى أن بعض السياسيين في لبنان لا يقومون إلا بالدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية وفق الظروف التي كانت سائدة قبل أحداث 7 أكتوبر، معتبرًا أن ذلك خطأ كبير. أما بالنسبة لوقف إطلاق النار في غزة، فقد أكد أن هذا الأمر لم يتحقق لأن إسرائيل تعتبر تلك الأحداث بمثابة تهديد كبير لها، يشبه "قنبلة ذرية" ضربتها، وبالتالي لن تتوقف قبل أن تجري تغييرات جذرية لإزالة أسباب ذلك التهديد.

وأوضح أن محاولات التدخل الخارجي، سواء من خلال جبهة الدعم التي أشعلها حزب الله في لبنان أو من خلال إيران عبر المفاوضات النووية، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية في إسرائيل مثل المظاهرات والإعلام، لم تنجح في إحداث تغيير في الوضع القائم.

وأردف فارس  أن اللوبي الإيراني قد حاول استخدام جميع وسائل الضغط على إدارة الرئيس بايدن لفرض وقف إطلاق النار، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب دعم غالبية أعضاء الكونغرس لإسرائيل. وأوضح أن بايدن، في سنة انتخابية حساسة، لا يستطيع قطع دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لأن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل حاد من الكونغرس قد يصل إلى تعليق الميزانيات المخصصة. وبدوره، فهم نتنياهو  هذه المعادلة جيدًا، واستمر في الحرب بناءً عليها.

ولكن أعرب فارس، أن الحرب الحالية لن تكون بنفس الوتيرة السريعة كما كانت في الماضي، مثل اجتياح بيروت بـ 30 يومًا، إذ أدركت إسرائيل أن الحرب في العصر الحديث تختلف عن الماضي. ورغم نجاحها في تحقيق أهداف معينة حتى الآن، فإن هذا لا يعني بالضرورة ضعف إيران وحلفائها، لكنهم يفتقرون إلى خطة تمكنهم من تحقيق اختراق كبير في إسرائيل. إيران وحلفاؤها حاولوا الضغط على إسرائيل عبر قصف المناطق المدنية لخلق ضغط شعبي يؤدي إلى استقالة نتنياهو، لكن تلك الجهود باءت بالفشل.

كما لفت فارس إلى أن الدول العربية لم تتدخل لدعم إيران أو حماس، لأنها تعلم أنها قد تكون الضحية التالية بعد إسرائيل، واستند في ذلك إلى سوابق تاريخية لم تُنسَ بعد. ولهذا، كان مصير غزة واضحًا منذ البداية، وهو "سقوط غزة"، حتى وإن استغرق ذلك عامًا.

أما بالنسبة للوضع في لبنان، فقد أوضح فارس أن حزب الله يمتلك قوة أكبر مقارنة بحماس، بفضل تسليحه ودعمه الواسع من إيران والعراق، وبفضل حلفائه في الداخل اللبناني وجزء من سوريا. لذلك، اتبعت إسرائيل استراتيجية مختلفة عن السابق للتعامل مع حزب الله، مستفيدة من الوقت لإضعاف الحزب وتفريغه من قياداته، بعيدًا عن السيناريو الذي تصوره الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله، بأن المعركة ستكون مواجهة مباشرة في الوديان والتلال.

ووفقًا لفارس، يبدو أن إسرائيل تمتلك الوقت الكافي لتستمر في هجماتها على حزب الله، على الأقل حتى فبراير 2025، ما لم تطلب إيران من إسرائيل عرضًا بوقف إطلاق النار. ورأى فارس أن عهد القوة العسكرية لحزب الله قد انتهى، وأن على اللبنانيين أن يدركوا أن الحزب لم يعد يمتلك القدرة على تهديدهم كما في الماضي أو تشكيل ضغط وترهيب لهم. بدلاً من ذلك، يمكن لحزب الله اليوم فقط البقاء في مناطقه وحمايتها من هجمات إسرائيل.

واقترح فارس أن الوقت الحالي هو الأنسب لتعبئة شعبية تهدف إلى رفض السلاح والميليشيات، دون الخوف أو مواجهة مباشرة مع حزب الله. وأشار إلى أن الحرب الحالية بين إسرائيل وحزب الله تتركز في ثلاث مناطق أساسية: الجنوب، الضاحية، والبقاع الشمالي، وهي مناطق تخضع لسيطرة الحزب بشكل كامل. لذلك، يجب على باقي المناطق اللبنانية أن تبقى محايدة، وتسعى للحفاظ على حيادها وتطالب فقط بحماية الجيش اللبناني لضمان الاستقرار والأمان.

وختامًا، من وجهة نظره، إنهاء عقدة الخوف من حزب الله خطوة مهمة للبنانيين، خاصةً في هذه المرحلة.