تتفاقم الأزمة النفسية لدى اللبنانيين، في ظل الحرب الراهنة التي يعاني منها لبنان، ليجدوا أنفسهم غارقين في مشاعر من القلق والخوف والضياع. مع كل لحظة يمر بها البلد، تتعمق معاناتهم النفسية وتزداد ضغوط الحياة اليومية التي باتت أشبه بالثقل الذي لا يُحتمل. وبينما يعاني العديد من اللبنانيين من التشتت والتهجير، يعجز البعض عن إيجاد متنفس لمشاعرهم، ما يعكس صورة صادمة من الألم النفسي الذي يتجاوز الحدود الجسدية.


وسط واقع متأزم يغرق فيه لبنان من أزمة إلى أخرى، يواجه اللبنانيون أزمة نفسية عميقة، لا سيما في ظل الحرب الأخيرة التي هزت حياتهم وعمقت جراحهم. وكما يؤكد علماء النفس، قد تكون المعاناة النفسية أكثر إيلاماً وتأثيراً من المعاناة الجسدية، ما يجعل التحمل أمراً شبه مستحيل لنسبة كبيرة من اللبنانيين، خصوصاً مع تنامي القلق، واليأس، والخوف من المجهول.

ويشير خبراء العلاج النفسي إلى أهمية التنفيس عن المشاعر بدلاً من كبتها، حيث ينصحون بتجنب تبني شعارات مثل "نحن لا ننهار"؛ إذ أن قمع المشاعر في هذه المرحلة قد يؤدي إلى تداعيات نفسية عميقة تتفاقم في مرحلة ما بعد الحرب.

أحمد (ق)، أحد المهجرين من الجنوب، يصف حياته الحالية في السكن المؤقت بأنها أشبه بالسجن، ويعبر عن اشتياقه لبيته وأرضه، وهو في حالة من الحزن الدائم والخوف من سيناريو طويل للحرب. ويضيف بأن نظرات الشفقة التي يراها من البعض تزيد من ضيقه وتضاعف معاناته.

أما زينة (غ)، التي عايشت فصول الحروب في لبنان، فتصف الحرب الحالية بأنها الأصعب على الإطلاق، لدرجة تركتها في حالة إنهاك نفسي حاد. بيتها الواقع على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت نجا من الدمار، لكنها تعيش بقلق دائم، تنام خارج منزلها وتذهب إليه خلال النهار لجمع ما تحتاجه، وكأنها تحمل منزلها على ظهرها كل يوم إلى مسكنها المؤقت. وتؤكد زينة أن الخوف يتملكها حتى من أصوات الحياة اليومية، بعد أن أصبحت أذنيها تلتقطان أي صوت كعلامة خطر.

في هذا السياق، يؤكد المعالجون النفسيون أن الانهيار النفسي ليس عيباً، وإنما كبت المشاعر دون الإفصاح عنها للأخصائيين قد يزيد الأمور سوءاً. ويتجول مختصون على مراكز الإيواء لتقديم دعم نفسي أولي للمحتاجين في محاولة لتخفيف أعباء هذه الأزمة النفسية. أما العلاج الأعمق فيبقى مؤجلاً حتى تتوقف الحرب ويعود الاستقرار، ليصبح التعافي النفسي جزءاً من أولويات مرحلة إعادة الإعمار.


المصدر : الأنباء