يوسف يونس


تتوجّه بعض الأوساط الإعلامية والسياسية إلى رمي الاتهامات نحو الجيش اللبناني، إمّا باتهامه لناحية بناء العلاقات الايجابية والمنفتحة على الغرب في ظلّ الحرب على لبنان، وإمّا باتهامه على توسيع الفجوة الإقتصادية اللبنانية، بحجّة أن "تطويع 1500 جندي إرضاء الأميركيين ولو من جيوب اللبنانيين"، وأن الجيش بدوره "يتحايل" على الدولة. ولو كانت هذه الإتّهامات صائبة بحسب افتراضاتهم، فمن منهم بلا خطيئة ليرشق الجيش بالإتهامات؟ 

ما هو معلومٌ أنّ الإتهامات الباطلة تصدر عن جهات موالية لمحور المقاومة، وتلعب جريدة "الأخبار" دوراً بارزاّ في ذلك. وتندرج هذه الإتهامات ضمن الهجمات السياسية الأخيرة التي يشنها حزب الله تجاه قائد الجيش شخصيّاً، تحت سرديّة أنّه يطبّق أجندة خارجية، علماً أن الحزب بدوره من تخطّى قرار الدولة، تناسى المصلحة الوطنية، تجاهل وجود الجيش وانخرط في حرب مع دولة عدوّة. 

فانتظام الجيش وسعيه إلى تنفيذ واجباته كمؤسسة عسكرية ذات مهامٍ في الدفاع عن الحدود وحفظ السلام، يستدعي في إطار الأوضاع الداخلية التي رافقت لبنان في السنوات الأخيرة، أن يلجأ الجيش إلى طلب المساعدات الخارجية في سبيل تدعيم عتاده وعديده وتعزيز قدرته على مواجهة أي عدوان خارجي، والأهمّ من ذلك تطبيق القرارت الدولية وفي طليعتها القرارت ١٥٥٩ و١٦٨٠ و١٧٠١ لضبط الحدود تدريجياً مع سوريا واسرائيل ونشر الجنود في منطقة الجنوب حتّى خطّ الليطاني مع اعتباره القوى المسلحة الشرعية الوحيدة.

إن خطّة تطويع الجيش لا يمكن قياسها كخسارة اقتصادية، بل ضرورة أمنية على صعيد الدولة. وعلى العكس، ما يُعدّ خسارة هو الدمار الذي خلّفته الحرب أمام صعوبة وتكلفة إعادة الإعمار، والخسارة في قطاعات السياحة والخدمات والنقل نظراً للحالة الأمنية المتوترة في ظلّ حرب فُرضت على لبنان. بالإضافة إلى أزمة النازحين الذين يطلبون الخدمات الأساسية من مسكن وغذاء وأدوية، ولم يجدوا في من أدخلهم بالحرب معيلاً، بل أصبحوا يلجأون إلى الدولة العاجزة لطلب الكثير.

وأمّا أنتم من تطالبون الجيش اللبناني في فرض سلطته ومراقبة الحدود البحرية والكشف عن ملابسات العملية الإسرائيلية في البترون، ماذا لو كان تطويع هؤلاء العسكريين الجدد يخدم مطلبكم في سبيل زيادة الرقابة على الحدود والدفاع تجاه عمليات من هذا النوع، علماً أنكم لستم موكّلين في التقييم والتنظير تجاه الجيش، أما زلتم ترفضون التطويع إذاً؟

وتعقيباً على ما سبق، نستدرك أن الجيش اللبناني ما وصل إلى وضعيته الحالية لولا حرمانه من مساعدات مادية وعسكرية كانت لتصله في السابق، وكان أضخمها الهبة السعودية لتسليح الجيش في العام ٢٠١٤، ولكن توقّفت عام ٢٠١٦ بسبب النشاط الإرهابي الذي مارسه حزب الله خلال العقدين الأخيرين في نطاق المنطقة، لنستنتج أن الجيش كان أمكن أن يصبح في ذروته منذ سنوات لولا الحصار الذي ارتسم حوله لتضعيفه، ومن حاصره يسأل اليوم لما يريد الجيش القوّة.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News