تعتبر إسرائيل واحدة من أبرز الدول المبدعة في مجال التكنولوجيا، حيث أسهمت شركاتها في تطوير العديد من التقنيات التي نستخدمها يوميًا، من الاتصال عبر الإنترنت إلى أجهزة التخزين المحمولة. ومع ذلك، يثير هذا التقدم التكنولوجي تساؤلات حول كيفية استغلال هذه الابتكارات في مجالات أخرى، مثل التجسس. حيث تتداخل التقنيات الحديثة مع الأمن والاستخبارات، مما يطرح سؤالًا محوريًا: إلى أي مدى يمكن أن تُستخدم هذه التطورات لخدمة مصالح الأجهزة الأمنية، سواء في إسرائيل أو عبر التعاون مع دول أخرى؟ في هذا التقرير، نلقي الضوء على أبرز تقنيات الشركات الإسرائيلية وعلاقاتها الوثيقة مع القطاع الأمني والاستخباراتي، ونستعرض بعض الأمثلة على كيفية الاستفادة منها في العمليات الأمنية والاستخباراتية.


قد يُفاجأ البعض بأن العديد من التقنيات التي نستخدمها بشكل يومي في مجال تكنولوجيا المعلومات تعود أصولها إلى شركات إسرائيلية. على سبيل المثال، تقنية الصوت عبر بروتوكول الإنترنت (VoIP) التي تُستخدم في تطبيقات مثل Zoom وSkype كانت قد أُطلقت في عام 1995 بواسطة شركة VocalTec الإسرائيلية. وكذلك، يعود الفضل في اختراع جهاز التخزين المحمول USB Drive إلى دوف موران من شركة M Systems الإسرائيلية، قبل أن يُطرح المنتج في الأسواق من قبل شركة SanDisk الأمريكية، والتي كان أحد مؤسسيها، إيلي هراري، مولودًا في تل أبيب.

وفي مجال أمن المعلومات، كانت شركة Check Point الإسرائيلية أول من طوّر جدار الحماية (Firewall) التجاري في عام 1993. ورغم تبني العديد من الشركات العالمية لهذه التقنيات على مر السنين، ما جعلها تبدو آمنة، إلا أن هناك تساؤلات حول كيفية استغلال إسرائيل لهذه التقنيات في التجسس.

يشكل قطاع التكنولوجيا في إسرائيل نحو 20% من الاقتصاد، وفقًا لتقرير صادر عن رويترز في يونيو الماضي، الذي أشار إلى تأسيس 600 شركة جديدة في عام 2023. ورغم تأثر القطاع بسبب تداعيات حرب غزة وأحداث السابع من أكتوبر، فإن البيئة المحفزة لنمو الشركات الناشئة تواصل تعزيز نمو القطاع، بفضل الدعم الحكومي والعسكري. العديد من هذه الشركات تعتمد على تقنيات وخبرات من الوحدات العسكرية والاستخباراتية، مثل الوحدة 8200 التي تُعتبر منبعًا للمواهب التكنولوجية.

يُقسَّم القطاع التكنولوجي في إسرائيل إلى أربعة مكونات رئيسية: الشركات الكبرى التي تديرها جمعية الصناعات التكنولوجية المتقدمة، الشركات الناشئة المدعومة من هيئة الابتكار الإسرائيلية، الجيش ووحداته الاستخباراتية التي تُطور التقنيات العسكرية وبرمجيات التجسس، والجامعات والمراكز البحثية مثل جامعة بن غوريون ومعهد التخنيون.

من الجدير بالذكر أن العديد من الشركات الإسرائيلية قد انتقلت إلى الولايات المتحدة، حيث تم استحواذ شركات أمريكية كبرى على شركات إسرائيلية مبتكرة مثل ICQ وWaze، ما يعكس قوة الابتكار في إسرائيل وتأثيره العالمي. ولكن هناك جانب أكثر خطورة، يتمثل في احتمال استغلال بعض التطبيقات غير العسكرية في عمليات التجسس، مثل تطبيقات المحادثة أو تقنيات قراءة العين، والتي قد تقدم بيانات للمخابرات الإسرائيلية.

وقد أثار الكشف عن برمجية "بيغاسوس" التجسسية، التي طورتها شركة NSO Group الإسرائيلية، مخاوف عالمية بشأن الخصوصية. وفي هذا السياق، تُطرح أسئلة حول مدى قدرة إسرائيل على استغلال هذه التقنيات في التجسس، خاصة في ظل العلاقة الوثيقة بين القطاع التكنولوجي وأجهزة الاستخبارات.

وفي هذا الإطار، يبرز أيضًا قطاع الاتصالات، حيث أثيرت تساؤلات حول قدرة إسرائيل على اختراق شبكات الاتصال حتى في الأماكن المحصنة، مثل حزب الله. وقد تزايدت المخاوف بعد حادثة "البايجر"، حيث كانت الأجهزة التي تم اختراقها قد تحتوي على تقنيات تجسس متطورة.

أحد الأمثلة الحديثة التي تثير الاهتمام هي شركة Exodigo الإسرائيلية-الأمريكية، التي تطور تكنولوجيا لرسم الخرائط تحت الأرض باستخدام الطائرات المسيرة. ورغم أن الشركة تعرض مشاريعها كمدنية، فإن استخدامها العسكري لهذه التكنولوجيا يستدعي الانتباه، خاصة بعد أن تم تزويد إسرائيل بطائرات مسيرة لرسم خرائط المنشآت تحت الأرض.

وبينما تبقى تساؤلات عديدة حول آلية انتقال البيانات الصوتية من أماكن محصنة تحت الأرض، تظهر الدراسات التي أُجريت في جامعة بن غوريون إمكانية استخدام أسلاك الكهرباء للتجسس، وهو ما يفتح المجال لتكهنات حول استخدام تقنيات مماثلة في عمليات التنصت الحديثة.


المصدر : وكالات