جوزف بو هيا


يعيش لبنان اليوم أزمات متشابكة تفاقمها الصراعات الإقليمية والداخلية، في مقدمتها المواجهة المستمرة بين حزب الله وإسرائيل. وتتلخص استراتيجية حزب الله في ترسيخ الطائفية وتوظيف مؤسسات الدولة كواجهة دفاعية تخدم مصالحه وتحد من سيادتها. يعتمد الحزب على الطائفة الشيعية كقاعدة ولاء أساسية، ويستند إلى "الميثاقية" كأداة سياسية لتجميد القرارات الوطنية التي لا تتفق مع أجنداته، مما يعزز نفوذه الداخلي ويقيد الدولة اللبنانية.

يرى حزب الله في ولاء الطائفة الشيعية الأساس لبقائه واستمراره، ولهذا يعتمد خطاباً تخويفياً يعتبر أن أي مساس به يعني بالضرورة تراجع الطائفة الشيعية ومكتسباتها. هذه الرسالة التي يروج لها الحزب تخلق مناخاً من الخوف، ما يحصّن مكانته داخل الطائفة ويجعل الانفصال عنه صعباً حتى وإن تضرر المجتمع الشيعي من سياساته. يستخدم الحزب أيضاً النفوذ المجتمعي لتعزيز الشعور بأن بقاءه ضرورة لدرء التهديدات الخارجية، ما يضعف احتمالات الانفكاك الشعبي عن دعمه.

وإضافة إلى ذلك، يعمل حزب الله مع الرئيس بري على توظيف "الميثاقية" كوسيلة لتعطيل القرارات الوطنية، بحيث يتمكن من تجميد أي قرار قد يهدد قوته العسكرية أو استقلاليته. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لفترات طويلة، حيث أدى غياب التوافق إلى شلل في مؤسسة الرئاسة، تاركاً البلاد دون رئيس لفترات امتدت لأكثر من سنتين. كذلك، شهدت البلاد تجميداً في القرارات الحكومية التي تتطلب توافقاً سياسياً واسعاً، مثل القرارات المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية للحصول على مساعدات دولية، حيث تذرع الحزب وحلفاؤه بـ"الميثاقية" لعرقلة مشاريع القوانين المتعلقة بإعادة هيكلة القطاعات الحكومية. بهذا، يصبح لبنان بأسره، وليس فقط الطائفة الشيعية، رهينة لإرادة الحزب وتوجهاته. ومع اعتماد هذه الاستراتيجية، تتحول الدولة اللبنانية إلى مظلة توفر له الشرعية والغطاء، مما يحميه من الضغوط الدولية والسياسية التي قد تعيق أنشطته.

وفي إطار الصراع مع إسرائيل، يستغل الحزب التهديدات الخارجية لتأجيج مشاعر التضامن الداخلي، فيصور نفسه كالحصن الأخير للطائفة الشيعية في مواجهة التحديات. هذا الخطاب يعزز من موقف الحزب داخلياً، حيث يتعمق الشعور بين أبناء الطائفة بأنه الحامي والمدافع الوحيد، وأن تراجعه يمثل تهديداً وجودياً للطائفة بأكملها. وبهذه الوسائل، يحافظ الحزب على ولاء شعبي غير مشروط، محولاً التهديدات الخارجية إلى فرصة لتعزيز التلاحم الطائفي حوله.

وفي النهاية، من خلال شلّ مؤسسات الدولة ومنعها من أداء دورها السيادي، يبقي حزب الله لبنان مرتهناً للتوازنات الإقليمية وخاضعاً لأجنداته الخاصة، مما يقوض أي فرصة لبناء دولة ذات سيادة حقيقية ويزيد من الانقسامات الداخلية. في ظل هذا الوضع، تصبح السلطة الرسمية محدودة الصلاحيات في مواجهة جهة مسلحة لا تخضع للقانون، ما يعمق الشرخ بين الطوائف ويزيد من حالة الاستقطاب.

تتطلب مواجهة هذا الواقع تأسيس دولة قوية تحترم سيادة القانون وتعيد هيكلة مؤسساتها بعيداً عن الانقسامات الطائفية. ينبغي على القوى الوطنية التحرك لقطع الطريق على استغلال حزب الله للبنانيين كافة، والشيعة خاصة، عبر رفض الطائفية كأداة للضغط والتأثير، والالتفاف حول مشروع وطني يعزز حقوق جميع الطوائف دون هيمنة طرف على آخر. هذا النهج كفيل بفتح آفاق جديدة نحو دولة قادرة على حماية استقلالها وتوحيد مجتمعها بعيداً عن الأجندات الضيقة.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News