ما هو المطلوب من اللبنانيين الشيعة؟


تتوجه الأنظار إلى اللبنانيين الشيعة في هذه الفترة العصيبة التي تمر على لبنان كما توجهت إليهم في فترة حرب تموز ٢٠٠٦،وقد أثيرت في حينها مجموعة من الأسئلة حول الدور والإنتماء والمستقبل والمصير داخل الوطن والمحيط،ومن تلك الأسئلة التي يعاد طرحها اليوم سؤال: 


ما هو المطلوب من الشيعة حالياً ؟


-والجواب على هذا السؤال اليوم هو ما قلناه في تلك الفترة : وهو لزوم توجيه هذا السؤال أولاً إلى الواجهة السياسية في الطائفة الشيعية التي امتلكت القرار السياسي والعسكري في الجنوب منذ عقود،لأن عموم أبناء الطائفة الشيعية في لبنان لم يكن لهم رأي في الحروب التي وقعت على أرضهم وفي وطنهم . وهم كانوا قد عبّروا عن آرائهم وتطلعاتهم منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي في محطات عديدة عندما اقتطع الجنوب اللبناني من الدولة اللبنانية وصار تحت سلطة الاحزاب والتنظيمات المسلحة،ورغم الضغوط التي كانت تمارس على أهل الجنوب في تلك الفترة كانت أصواتهم ترتفع مطالبة بمشروع الدولة وبسط سلطتها الكاملة على الجنوب اللبناني أسوةً بغيره من المناطق اللبنانية. 


وهم ـ أبناء الطائفة الشيعيةـ لم يختاروا قيادتهم السياسية والدينية إلّا  لاعتقادهم أن هذه القيادات تعمل على تحقيق مشروع الدولة الواحدة التي تنتظم فيها جميع الطوائف اللبنانية بما في ذلك الطائفة الشيعية التي آمنت بالعيش المشترك مع سائر الطوائف والذي تنبثق منه مؤسسة الدولة الواحدة التي ترعى الجميع وتكون هي المسؤولة وحدها عن الوطن والمواطن في مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من الحقول والميادين التي تتولى شؤونها الدول في شعوبها واوطانها.


إن دولة المؤسسات والقانون ليست انعكاساً لرؤية أيديولوجية خاصة بطائفة أو حزب أو جماعة خصوصاً في المجتمعات المختلطة والمتعددة كما هو الحال في لبنان البلد المتعدد الطوائف الذي تنبثق فيه فكرة الدولة وتنشأ من خلال عقد اجتماعي بين جميع الفئات تتكرس ميثاقاً وطنياً يتجاوز الأطر الضيقة والنظرات الأحادية.


وقد التزمت بهذا العقد الاجتماعي كل الطوائف اللبنانية على اختلاف مذاهبها وأديانها بما في ذلك الطائفة الشيعية منذ قيامة لبنان، ولا يزال هذا الأمر أساساً يحظى بإجماع اللبنانيين من كل الطوائف، وهو اليوم أكثر رسوخاً وثباتاً في نفوسهم وقناعاتهم،وهم اليوم أكثر تمسكاً به كثابت من ثوابت لبنان الوطن النهائي الذي لا يتبدل مهما تغيّرت الظروف وتبدلت الاحوال.


وهذا الذي ذكرناه من مشروع الدولة المسؤولة وحدها عن الشعب والوطن كان جزءاً لا يتجزأ من مشروع الإمام موسى الصدر الذي أعطته الطائفة الشيعية التأييد على أساسه لما فيه من تأكيد للوحدة الوطنية التي تتعاظم قوتها وتزدهر امكاناتها من خلال مشروع الدولة الواحدة، ولذلك قال في زمن انتشار السلاح بأيدي الأحزاب والتنظيمات الخارجة عن الدولة في مجلة الحوادث-30ـ7ـ 1978(لا حلَّ للبنان إلّا في إقامة الشرعية ولا شرعية إلّا بتذويب الدويلات أيّاً كانت صيغتها وشكلها وفعلها) وقد كان مشروعه في غاية الوضوح في شأن الإنتماء الوطني والعربي للشيعة اللبنانيين والإندماج الكلي في مشروع الدولة الواحدة.


والمطلوب من الذين يقودون الطائفة الشيعية اليوم أن يعلنوا حالاً عن اعتمادهم الدولة اللبنانية مرجعيةً وحيدة والتخلي عن كل ما يتنافى مع سيادتها ويمنع من قيامها بكامل مسؤولياتها  على كل أراضيها.
-ويتوجه هذا السؤال ثانياً إلى أبناء الطائفة الشيعية،فإنه على رغم الجراح النازفة والنزوح من الديار والتهجير والدمار يجب عليهم مطالبة الذين يقودونهم بتوجيه الأسئلة إليهم عن أسباب الإنهيار الذي أوصلوهم وأوصلوا لبنان الوطن إليه في عهدهم وأمام أعينهم.فبدون المطالبة والإعتراض منكم سوف تتكرر المآسي،وبدون النقد لن يتحقق إصلاح.


قولوا لقياداتكم السياسية ليس المطلوب تذكيرنا في المناسبات بأقوال الإمام الصدر ومواقفه، المطلوب هو الإعلان اليوم عن بدء العمل الجادّ بمشروعه،فالإمام أراد من كلامه الذي نقلناه عنه عودة الجنوب إلى أحضان الدولة اللبنانية التي تشكل المرجعية الوحيدة للبلاد في مختلف الشؤون والمجالات وهي الحَكَمُ في فصل الخلافات والمصدر الوحيد في اتخاذ القرارات خصوصاً تلك المتعلقة بالسلم والحرب.
-ونتمنّى على المرجعية الدينية في العراق ونناشدها أن تنظر إلى ما وصل إليه حال المواطنين الشيعة في لبنان وأن تصدر توجيهاتها إلى قياداتهم السياسية وأحزابهم باعتماد الدولة اللبنانية مسؤولةً وحدها عن الأمن والدفاع مثلما توجهت به المرجعية قبل فترة وجيزة إلى الأحزاب والتنظيمات المسلحة في العراق بضرورة الرجوع إلى الدولة العراقية.


وبتنفيذ تلك التوجيهات يتحقق مشروع الإمام الصدر المتمثل بالدولة الواحدة التي ينضوي جميع اللبنانيين تحت لوائها، ويتم التأسيس لخروج لبنان من محنته وقيام دولته المسؤولة وحدها عن الشعب والوطن،وننطلق جميعاً في العمل من أجل تحقيق الأهداف لأهلنا الصابرين وشعبنا الصامد الذي يستحق الحياة الآمنة والمزدهرة.


المصدر : Transparency News