بول سعادة


إن ما وصل إليه حزب الله اليوم سببه نتيجة واحدة: الإستكبار. إن كلمة إستكبار تأتي من مصدر إستكبَرَ وتعني الغرور. بكلمات اخرى، ظن حزب الله عن خطأ بأنه أقوى وأضخم وأمتن، لكن في واقع الامر تبين أنه أضعف وأصغر وأوهن. لهذا الغرور أسباب عديدة، منها تاريخية وأخرى عقائدية وحتى نفسية-إجتماعية. لكن في المحصلة: حزب الله خَسِرَ. 

 

خسر حزب الله من خلال فقدانه لمداه الحيوي الذي يربطه يإيران براً عبر سوريا، خسر من خلال "إحتضان" بقية اللبنانيين "بيئته الحاضنة" أثر النزوح، خسر أيضاً غطاءً مسيحياً شعبياً ثميناً وأكثر ما خسره هو هيبته التي أصبحت تذكر من باب السخرية والاستهزاء. 

 

أما خط الدفاع الأول الذي لا يزال يمتلكه حزب الله اليوم فهو، ويا للأسف، مؤسسات الدولة اللبنانية التي تسعى منذ اليوم الاول جاهدة بكل قدرتها أن "تساند" حزب الله من خلال تمثيل مصالحه في المفاوضات القائمة وإعلانها الجهوزية للإلتزام بتطبيق القرارات الدولية جمعاء خاصةً 1701. أما آخر ما تحاول مؤسسات الدولة المغلوب على أمرها وعلى قرارها أن تفعله هو عرض نفسها كجهة ضامنة لتنفيذ الشروط الاسرائيلية. كل ذلك من أجل هدف وحيد وهو إنقاذ حزب الله وعودته كما كان ميليشيا مسلحة تصادر قرار الدولة، وعليه إعادة الحال كما كانت عليه ما قبل السابع من أكتوبر. 

 

نستخلص أن حزب الله يسعى ان لا يخسر كل شيء وأن الدولة اللبنانية أصبحت تشكل شبكة الخلاص الأخيرة لنجاته. إن إدراك ومعرفة هذا الأمر له أهمية قصوى، لجهة الحؤول دون إستغلال حزب الله لغطاء الشرعية المتمثلة بمراكز الدولة وسلطاتها. وهذا هو فعلاً الحاصل في المفاوضات الحالية. فكل متابع يرى كيف أن الإسرائيلي يدّس النبض وكيف أن حزب الله يلهث وراء إتفاق وقف إطلاق النار من أجل أن يحافظ على ما تبقى له من مكتسبات في الداخل. 

 

على الذين يجلسون على طاولة المفاوضات أسئلة نطرحها: ألم يحن الوقت لكي نتجه نحو حل دائم ومستدام؟ ألم تعرفوا بعد أن الرهان على إتفاق مع جماعة إسلامية من هنا وفريق أصولي من هناك لن يؤتي بثماره عليكم؟ ألم تقتنعوا بعد بأن لا حل في لبنان إلا بقيام دولة سيدة حرة مستقلة من أي سلطة خارجية، إن مباشرة أو من خلال أذرع داخلية لها؟ ألم تدركوا بعد حجم الكارثة الذي ألحقها سماحكم لحزب الله أن يسيطر على مفاصل الدولة وعلى محاور الحياة السياسية في لبنان؟ ألم تدركوا بعد أن إستغياب الدولة يأتي من خلال إستغياب رجالات الدولة؟ وبأن من يفاوض اليوم بإسم لبنان، أي رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، لا يمثلون الدولة اللبنانية ولا حتى الشعب اللبناني، إنما فقط مصالح حزب الله؟ 

 

إن فكّ الرباط بين الدولة اللبنانية وحزب الله أمر أساسي ومطلوب وملحّ، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات، فعلى من يتحلى بالضمير من القيمين على مؤسسات الدولة وعلى جميع القوى السياسية الحرةّ أن يسعوا لتحييد الدولة عن هذا الصراع القائم. التصرف بعكس ذلك سيؤدي الى إستدراج الدولة البنانية بأن تكون طرفاً في هذه الحرب، وبالتالي تعريضها للدمار. إن ربط مصير الدولة اللبنانية بمصير حزب الله في هذه الحرب خطأ إستراتيجي سيجعل من الدولة اللبنانية ليس فقط هدفاً عسكرياً للعدو الخارجي إنما أيضاً سيضعها في مواجهة داخلية مع غالبية الشعب اللبناني والقوى السياسية اللبنانية. فحذار.

 


المصدر : Transparency News