يوسف يونس 


ما أن انتشر خبرٌ أوّليٌّ عن إعلانٍ قريبٍ لوقف إطلاق النار، حتّى سارعت بيئة المقاومة بإعلان النصر من خلال "إطلاق الرصاص" ابتهاجا. هذا المشهد الأوّل بعد توّقف العدوان يشكّل لمحة عمّا ننتظره من تناقض بالمنحى السياسي من قِبل جماعة المقاومة في المرحلة المقبلة.

والأهمّ من إعلان الإتفاق، هو التقيّد والإلتزام ببنوده، فهو اتفاق تمهيدي لوقفٍ أخيرٍ للحرب بين اسرائيل وحزب الله، بين طرفين قبلا بالإتفاقية وملتزمين بضبط أعمالهم إذاً لتجنب اندلاع المعارك عن جديد. ومع إجراء قراءة عميقة لمضمون الإتفاق الصادر، يمكن استخلاص النتائج العسكرية والسياسية التي ينبغي البناء عليها في اليوم التالي للحرب. 

في الطليعة، اشترط البند الأوّل على أن الجماعات المسلّحة من الجانب اللبناني ممنوعة من ارتكاب الأعمال الهجومية تجاه اسرائيل، بما يعنيه حزب الله وفصائل المقاومة، ويتبعها بند حول امتناع اسرائيل من تنفيذ أي هجوم على لبنان. الخلاصة هنا تترجم بالحدّ من دور المقاومة وعدم القبول بامتلاكها للسلاح تحت ذريعة صدّ العدوان الإسرائيلي، لأن الإتفاق الذي قبل به حزب الله ينصّ على ذلك، وبالتالي "يخسر" الحزب حجّة إبقاء السلاح لعدم وجود مبرّر مستقبلي له. وفي حال حصل أي خرق اسرائيلي للإتفاق، أنيط بالدولة اللبنانية حق الدفاع عن النفس منفردة من خلال الجيش اللبناني، الذي سينتشر في الجنوب وإذا اضطر لإشغال القوات الدولية لحفظ الأمن.

وتباعاً، ينصّ الإتفاق في مجموعة بنود لاحقة على تفكيك جميع المنشآت ومصانع الأسلحة والمواقع العسكرية والبنى التحتية التابعة للحزب على كامل الأراضي اللبنانية، و"سيتمّ الإشراف على بيع الأسلحة أو توريدها أو إنتاجها أو المواد ذات الصلة بالأسلحة في لبنان من قبل الحكومة اللبنانية". باختصار، تتمحور هذه البنود حول نزع سلاح حزب الله بلغة رسمية، وباعتبار أن الحزب قبل بهذا الإتفاق يعني قبوله حكماً أن "يخسر" قوّة السلاح. 

طبعاً لضمانات التنفيذ، ستكون هناك لجنة خاصة ممثّلة من عدّة دول بموافقة الجانبين "اللبناني" والإسرائيلي، وإذا هلّل أحدٌ بسردية أن الحزب منع انخراط ألمانيا أو بريطانيا من هذه اللجنة، فليتنبّه أن الولايات المتحدة ستكون رئيسة اللجنة. فمهاجمة السفارة الأميركية في عوكر في الأيام الأخيرة يبدو أنه راح هباء إثر القبول بالإدارة الأميركية لرئاسة اللجنة، وبلا شكّ سيكون لها الدور الرئيسي في صياغة الإتفاق الأخير لوقف الحرب وما يتفرّع عنها من تسويات محتملة، مثل ترسيم الحدود البريّة. وهكذا "يخسر" الحزب من جديد حجّة مناهضته للمشروع الغربي الأمبريالي الصهيو – أميركي.

بالنسبة لحزب الله والبيئة الحاضنة له، تمكّنت المقاومة من خلال الميدان الفرض على اسرائيل بالتوجّه إلى التفاوض وإعلان وقف الحرب، ما تعتبره إنجازاً. بهذا المنطق وبقياس هذه البنود، يمكن اعتبار أن المانيا النازية إذاً ربحت الحرب العالمية الثانية، وجرّت الحلفاء على وقف الحرب وطرح الشروط التي أُجبِرَت على تطبيقها.

إلى حين اقتناع الحزب ومؤيديه بهذه السردية والرجوع من الصدمة بعد تلزيم بنود الإتفاق وتفقّد خسائرهم من حيث نزع السلاح وحجّة المقاومة، نقول لهم تهانينا!