حوار مفتوح مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد
28-11-2024 06:39 PM GMT+02:00
في قراءةٍ موضوعية ومسؤولة لمضمون مقال نشر في جريدة الأخبار في ٢٦/١١/٢٠٢٤ بأعقاب ما أُعلن من اتفاق لهدنة ٦٠ يوماً تنتهي بتطبيق كامل للقرار الأممي ١٧٠١.
أثني بكل تقدير واحترام على ماخلص إليه الحاج محمد رعد في مقاله، بإبداء الاستعداد للحوار مع كل من يختلف مع رؤيته ، وهذا ما يتوافق مع الآية الكريمة من سورة الحجرات : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". كما يتوافق مع القانون المادي الجدلي، وحدة وصراع الأضداد، أي التنوّع في الوحدة.
ختم النائب الحاج محمد رعد مقاله بالمقطع الآتي:
"بكُلّ جرأة، نفترض أن الضمانة المُثلى هي في المُعادلة نفسها التي أرغمت العدوّ مُجدداً على وقف عدوانه وتيئيسه من إمكانية إخضاع إرادة اللبنانيين وانتهاك سيادة بلدهم.
إنها مُعادلة الشعب والجيش والمُقاومة.
وإذا ما زال لدى البعض نقاش حول أصل هذه المُعادلة أو حول تفعيلها، أو يقترح مُعادلة أخرى، فالحوار الوطني السيادي وحده هو السبيل الواقعي المُجدي لحسم هذا الأمر، والضامن لتعزيز الوفاق الوطني اللبناني".
يعتبر النائب رعد أن معادلة " الجيش، الشعب والمقاومة" وبقوة المقاومة، انصاع العدو الإسرائيلي لقبول المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار، ضمن شروط اتفاق غير معلن وغير واضح المعالم. لكن يروّج أنه يضمن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١ بكل مندرجاته،وأن الضامن لتطبيقه من الجانبين اللبناني والإسرائيلي ، لجنة رقابة دولية بقيادة أميركية ومشاركة بريطانية، ألمانية وفرنسية، ليس فقط جنوبي الليطاني ، بل أيضاً مراقبة عدم إعادة تسليح حزب الله على كامل التراب اللبناني وبمراقبة جميع المرافئ البرية والبحرية والجوية اللبنانية. هذا ما يدعوني للاستنتاج بأن القرار ١٧٠١ المدرج تحت البند السادس أصلاً في العام ٢٠٠٦ ، سينفّذ وفق الية المراقبة المقترحة وشروطها وكأنه تحت البد السابع بصورة غير مباشرة. مع الإشارة إلى أن وزير خارجية لبنان عبدالله حبيب والمفترض أنه كان مطلاً على المفاوضات وحيثيات الإتفاق ، صرّح قائلاً : نأمل خلال فترة ال٦٠ يوماً أن نتمكن من ترسيم الحدود البرية مع الكيان الصهيوني. وهذا يعني أن الإتفاق لم يلحظ بوضوح كافٍ، النقاط الحدودية التي سينسحب إليها جيش العدو بنهاية ال ٦٠ يوماً. هذه النتيجة للحرب تجعل لبنان واقعاً بالفعل تحت وصية دولية، ما يعني أن المعادلة الذهبية"جيش، شعب، مقاومة" لم تحفظ أو تحافظ على سيادة لبنان.
العزيز الحاج محمد بررت قرار الحزب في مساندة غزة بأنه موقف إنساني وأخلاقي ، وهنا أختلف معك في وسيلة التضامن وليس في المبدأ، وهو واجب كل مواطن عربي وكل إنسان في الإقليم والعالم يتمتع بالحد الأدنى من القيم الأخلاقية والإنسانية. وكان ممكن من أجل ذلك ، أن نذهب إلى استنهاض الحركة الشعبية في لبنان وحيث يقع تأثيرنا، لقيادة حركة تنديد بالعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، والدعوة الشاملة لشعوب البلدان العربية والإسلامية إلى مقاطعة سلع البلدان الغربية الداعمة للعدو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية. فالمساندة واجبة بدون أدنى شك ولكن ضمن الإمكانات المتوفرة، على أن لا تأخدنا عواطفنا، وحتى معتقداتنا إلى انتهاج خيار التدمير الذاتي ونحن في صراع استراتيجي وجودي مع هذا العدو.
ولم ننس ما كان قد قاله السيد نصرالله رحمه الله في خطابه الأول عن الإسناد، بأنه "لم يحن بعد ولم تنضج الظروف للقضاء على العدو لذلك علينا أن نتغلّب عليه بالتقاط". وهذا يعني أن ميزان القوى من وجهة نظره كما أفهم في هذه المواجهة ليس في مصلحة المقاومة.
من هنا يُطرح التساؤل حول ما إذا كانت قيادة حزب الله تدرك ، أن في مواجهتنا العسكرية لإسرائيل إنما نواجه قوات الحلف الأطلسي مجتمعة مع كل ما تملكه من تفوق عسكري وتقني علينا، وأن التهديد الوجودي لإسرائيل هو تهديد وجودي للحلف الأطلسي مجتمعاً؟ حسب معرفتي وبتقديري أن في حزب الله قيادات غير غافلة عن هذه الرؤية وهذا التقدير، ولكن للأسف يا حاج محمد ،رغم ذلك اندفع الحزب إلى مغامرة غير محسوبة النتائج ، فتحول الإسناد ومقولة توازن الردع إلى موت ودمار غير مسبوق في لبنان، وخسارة أهم القيادات السياسية والعسكرية في حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصرالله. وأنا لا أقلل أبداً من أهمية صمود مقاتلي الحزب في الميدان ولا بتضحياتهم الجسام ولكن بالواقع كنا بغنى عن ذلك .
لن أغوص طويلاً في نقد تبريراتكم لفتح جبهة الإسناد، وأبسط إجابة عليها، هي أن الأمور تقاس بنتائجها. والنتائج على جميع المستويات وبعيداً من التبرير والتفسير جاءت كارثية على الحزب والشعب وسيادة الوطن.
أما عن أهداف العدو تقولون أنه لم يحققها. وعلى حد علمي أن العدو حدد ثلاثة أهداف لحربه على لبنان تتلخص بالتالي:
١- إعادة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال
٢-تدمير قدرات حزب الله العسكرية
٣-بناء شرق أوسط جديد.
وفي الإجابة على ذلك، فإن الإتفاق المعلن والمتضمن سحب مقاتلي حزب الله إلى شمال الليطاني وتدمير ما تبقى من بنيته العسكرية في جنوب الليطاني والتزامه بعدم الهجوم على إسرائيل ومنع إعادة تسليحه على كامل الأراضي اللبنانية برقابة اللجنة الدولية برئاسة الولايات المتحدة شريكة إسرائيل وحاضنتها الحنونة ،سوف يعيد المستوطنين قبل انتهاء الأيام الستين حتماً. وليس موضوع نقاش أن العدو لم يجهز على الحزب لكنه باعترافكم قد تمكّن من توجيه ضربات قاسية وموجعة لبنيته العسكرية والقيادية وبناه التحتية الاقتصادية والاجتماعية. ويفهم من الاتفاق الذي وافقتم عليه أنه سيستكمل بتجريد الحزب من سلاحه بأشكال مختلفة إنفاذاً للقرار ١٧٠١ بكل مندرجاته والتزامكم بعدم مهاجمة إسرائيل.
أما بالنسبة لما ترددونه في أوساطكم عن مشروع العدو في بناء الشرق الأوسط الجديد، إنما يقوم هذا المشروع حسب رأي ،على إساس تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية، مذهبية ، دينية، عرقية، لتأتي على صورته ومثاله بعدما قرر تهويد فلسطين، ويجعل من ذلك تبريراً لدولته اليهودية، ويستخدم ذلك بدعم أميركي وغربي في إثارة الفتن ببن تلك الكيانات والتحكم بإدارتها أو التأثير عليها وهو يكون الأقوى بينها بما يمتلكه من قدرات توفرها له الدول الغربية.
وفي هذا المجال أعتقد جازماً ،أن الكيانات الموازية ذات الطابع الديني الطائفي على غرار حزب الله في لبنان وفي أكثر من بلد عربي التي نشأت على هامش الدولة الوطنية ،تشكّل أكبر خدمة للمشروع الأميركي الصهيوني ومفهمه للشرق الأوسط الجديد.
الصديق العزيز الحاج محمد رعد، المقاومة المسلّحة وبأشكالها المختلفة تشرّعها القوانين الدولية في مواجهة قوات الإحتلال.وانت تعلم أنني أتحدر من حزب كان له شرف إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عام ١٩٨٢، وأنني ممن شاركوا في قيادتها، وممن تعرضوا للاعتقال والتعذيب بسببها، لكننا نجحنا ثم بمشاركتكم في تحرير بلدنا من قوات الاحتلال الصهيوني ودحرناه عن أرضنا بدون قيد أو شرط إلى حدودنا الدولية في العام ٢٠٠٠ وفق القرار الأممي ٤٢٥. ولا ننسى مساهمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسعاه الدولي لتشريع المقاومة عام ١٩٩٦ عندما كان العدو لا يزال يحتل جزءاً من ترابنا. وكيف احتفل جميع اللبنانيين من مختلف مكونات الوطن بذاك الانتصار التاريخي على العدو الإسرائيلي.
واسمح لي أن أختم بالقول ، الخطأ بحق المقاومة بدأ عند تطيفها ما أفقدها بعدها الوطني. ثم باستمراها بشكلها المسلح بعد العام ٢٠٠٠ وتحوّلها إلى دولة في الدولة، ما أفقدها الحاضنة الوطنية التي بدونها سوف تتعرى. وأثبتت الحرب الأخيرة كيف أن العدو استغلّ هذا الجانب بإعلانه الحرب على حزب الله ما أدى إلى عزل المقاومة داخلياً وخارجياً ، وحيث لم نشهد أي تحرك شعبي في الاغتراب تنديداً بالعدو وجرائمه التي يرتكبها في لبنان من قتل للمدنيين وتدمير للمباني السكنية، بينما شهدنا تحركات شعبية عارمة في الغرب تنديداً بجرائم العدو في غزة.
أختم بالقول وآمل أن نلتقي ونتعمّق في هذا الحوار: الوحدة الوطنية هي السلاح الأمضى في الحفاظ على السيادة والاستقلال وتحقيق التقدم لبلدنا لبنان.
وأن الخطوة الأولى المطلوبة اليوم هي الإقدام بكل جرأة على انتخاب رئيس للجمهورية وفق ما تنص عليه الأليات الدستورية ، وتشكيل حكومة كفاءات تمنح صلاحيات تشريعية استثنائية لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس عصرية، تنقذ شعبنا من جحيم جهنم الذي يعيشه بأسرع وقت ممكن.
المصدر : Transparency News