في مشهدٍ بات مألوفاً في لبنان، تتكرر محاولات جريدة "الأخبار" ومنابر محور الممانعة شيطنة أي شخصية تُعارض تجاوزات محور الممانعة. والهدف هذه المرة هو النائب وضاح الصادق، الذي لم تستثنه هذه الجريدة منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الندوة البرلمانية، تمامًا كما كانت ولا تزال تفعل مع أي فريق يرفض هيمنة حزب الله على القرار اللبناني.


المقال الذي نُشر بحقّ الصادق يندرج ضمن استراتيجية قديمة جديدة تُعيد إنتاج خطاب التخوين والاتهامات الجاهزة لكل من يختلف مع هذا المحور، وهي محاولة مكشوفة لشيطنة الخصوم  وتحريف النقاش الوطني، لتضليل الرأي العام.


لطالما اعتمد الإعلام الموالي لمحور الممانعة على خطاب التخوين في مواجهة منتقديه. كل من يرفع صوته اعتراضًا على تجاوزات "حزب الله" أو يرفض احتكار المقاومة يُصنَّف فورًا "عميلًا" في عيون تلك المنابر. وعندها تبدأ الحملات المبرمجة التي تصدر عن مطبخ واحد، توزّع الأدوار بين وسائل إعلام الممانعة والجيوش الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا تعرف سوى لغة الشتيمة والتخوين.
وضاح الصادق، الذي عُرف بمواقفه الصريحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لم يتوانَ يوماً عن انتقاد التجاوزات التي يرتكبها الحزب بحق الدولة اللبنانية، من احتكار السلاح إلى فرض الأجندات الإقليمية. إلا أن تلك الجرأة تُقابَل بسيلٍ من الاتهامات التي لا تهدف إلا إلى تشويه صورته وإسكات صوته.
المقال الذي يُلمّح إلى أن الحزب هو الجهة الوحيدة التي تُقاوم إسرائيل يتجاهل عن عمد تاريخ المقاومة اللبنانية بكل أطيافها وألوانها. لقد كانت المقاومة مشروعاً وطنياً جامعاً حتى تحوّلت إلى مشروعٍ فئوي يخدم مصالح إقليمية بعيدة كل البُعد عن المصلحة اللبنانية. لا أحد ينكر أهمية المقاومة في تحرير الأرض، لكن حصرها في إطار حزبي واحد وسلبها صبغتها الوطنية أضرّ بالقضية وأبعد اللبنانيين عن الالتفاف حولها.


المفارقة اليوم أن البيئة الجنوبية التي يدّعي الحزب تمثيلها بشكل حصري أصبحت أكثر وعياً بالثمن الباهظ الذي تدفعه بسبب السياسات التي انتهجها خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة، وهاهو اليوم يدفع الثمن غاليًا بعد تصفية قياداته على رأسهم الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله وخلفه السيد هاشم صفي الدين هذا فضلًا عن الخراب والدمار الذي أنهك بيئته تمامًا كما أنهك الشعب اللبناني. الجنوب، الذي كان ولا يزال عصياً على الاحتلال، لا يمكن أن يُختزل في حزبٍ واحد أو مشروعٍ واحد، ولا يمكن أن يتحمّل وحده أعباء قرارٍ إقليمي يُدار من خارج الحدود.
إلى تلك الأبواق التي تصف كل من يُعارض الحزب بأنه عميل، نقول: رأينا العمالة أين كانت ومن هم العملاء الحقيقيون. الاتهامات المعلّبة بالتخوين لم تعد تُجدي نفعاً، والشعب اللبناني، بمختلف أطيافه، يدرك اليوم أن الدمار الذي وصلنا إليه ليس إلا نتيجة السياسات التي فُرضت على الدولة تحت شعار "المقاومة".


بدلاً من الاستمرار في سياسة التخوين والتشويه، المطلوب اليوم أن يتحمّل الحزب ومناصروه وأبواقه مسؤولياتهم الوطنية. لبنان بحاجة إلى خطاب جامع يضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، لا إلى محاولات بائسة لتصفية الحسابات مع المعارضين عبر أدوات إعلامية تجاوزها الزمن.
وضاح الصادق، وغيره من الأصوات الحرّة، ليسوا بحاجة للدفاع عن أنفسهم أمام حملات التحريض. الحقيقة وحدها كفيلة بإسقاط هذه الاتهامات، والشعب اللبناني لم يعد يُخدع بالشعارات الرنّانة التي تُخفي وراءها أجندات تسعى إلى الهيمنة. وبدلاً من التلهّي بخطاب التخوين، لعلّ الوقت قد حان لوقفة مراجعة حقيقية تسأل: إلى أين تأخذون لبنان؟


المصدر : Transparency News