المرحلة المقبلة "جيش شعب دولة"
03-12-2024 05:40 PM GMT+02:00
يمرّ حزب الله وأنصاره اليوم في مرحلة انتقالية، ويجب الإشارة إلى أن الحرب الأخيرة ومجرياتها وبالطّبع نكسات حزب الله فيها، ويليها اتفاق وقف إطلاق النار الذي يمهّد لإعلان وقف الحرب على لبنان، هي كلّها عوامل شكّلت نقطة تحوّل هامّة بين وضعيّتين متباعدتين.
الوضعية الاولى الممتدّة منذ سنوات حتّى اندلاع الحرب الشاملة على لبنان، حين كان الحزب يتفاعل مع الأمور السياسية والعسكرية في نمط معيّن رسمه بنفسه، تجاه العدوان الإسرائيلي من جهة وتجاه الداخل اللبناني من جهة أخرى. ولطالما أصدر قياديّوه ونوّابه ووزراؤه خطابات عالية السّقف تتّسم بالفوقية، انطلاقاً من امتلاك الحزب لسلاح المقاومة. والتالي بنى حزب الله شخصيته بقوّة السلاح ولم يسمح حتّى للدولة اللبنانية، التّي "توغّل" بها لإضعافها واحتلالها، بأن تفرض سلطتها الشرعية عليه، مصمّماً على إدخال معادلته الصّدئة "جيش، شعب، مقاومة" في كلّ بيان وزاري، بغية التأكيد على غطاء سياسي للمقاومة.
الوضعية الثانية وإذ بدأت يوم موافقة الحكومة اللبنانية، التي تضمّ كتلة وازنة مقرّبة من حزب الله، على اتفاق وقف النار بجميع البنود المدوّنة فيه، مع الدلالة أن الرئيس نبيه برّي خاض بدوره جولات من المفاوضات نيابة عن حزب الله ووافق بدوره على الصيغة المطروحة. المتغيّر في هذه الحالة، أنّ حزب الله لم يعد مسموحٌ له بأن ينظّم هيكليته العسكرية ولا أن يعيد بناء منشآته الحربية، على غرار ما فعل بعد حرب تموز 2006، عندما وجد ثغرات في القرار 1701 آنذاك. فإن ما وافق عليه الحزب اليوم هو اتّفاق أكثر وضوحاً ودقّة، لا يحتوي على ثغرات في متناول الحزب، وأكثر صرامة في تطبيق مقرّراته الأساسية وهي "نزع سلاح المقاومة" وحصر السلاح بيد "القوات العسكرية والأمنية الشرعية اللبنانية" فقط، مع تعداد هذه الأخيرة في مقدّمة الإتفاق.
قد يكون صعب على قيادة حزب الله وأنصاره استيعاب هذه المرحلة الإنتقالية، فقد اعتادوا على اللجوء والتلويح بسلاحهم، بالداخل أكثر من الخارج، عند كل المواجهات التي تعرّضوا لها. فقدوا حجّة السلاح وفقدوا حقّ الدفاع الذي أصبح مناط بالمؤسسات الشرعية وحدها، ولعلّ هناك خسائر إضافية تنتظرهم في الأمد القريب عند استدراك الواقع الذي وضعوا أنفسهم فيه. ولا بدّ لهم منذ اليوم الإعتياد على الوضعية الثانية التي وافقوا عليها، حيث فيها تعلو دولة القانون على أي تنظيمات غير شرعية، متوّجة بالمعادلة الذهبية "جيش، شعب، دولة".
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")
المصدر : Transparency News