راي الحداد


لطالما شكّلت الأحزاب في لبنان عمودًا فقريًا للمشهد السياسي، حيث تميزت بنفوذها العريق وتأثيرها على المشهد الاجتماعي والاقتصادي. إلا أن المتغيرات المتسارعة في العالم اليوم، والتي عززتها ثورة التكنولوجيا وثقافة الانفتاح، تفرض على هذه الأحزاب تحديًا جوهريًا: تغيير أسلوبها في التعاطي مع الجمهور.

الحاجة إلى مراجعة الأساليب التقليدية

في السنوات الأخيرة، بدا واضحًا أن الأساليب التقليدية التي تعتمدها الأحزاب اللبنانية في تواصلها مع الناس لم تعد تلبي تطلعات الشباب ولا تعكس همومهم. إذ يستند النهج الحالي غالبًا إلى خطاب شعبوي قديم قائم على الولاءات الطائفية والمصالح الشخصية، بدلًا من تقديم رؤى وسياسات تخدم الصالح العام.

إن الجمهور اللبناني، وخاصة الشباب، أصبح أكثر وعيًا وإدراكًا للواقع، ولم يعد يقبل بالخطابات الجوفاء أو الوعود الفارغة. لقد برزت أصوات شبابية تدعو إلى الشفافية والمساءلة، وتطالب الأحزاب بأن تكون رسالتها الوحيدة هي “الحق والحقيقة”، وليس الترويج لأجندات ضيقة أو شعارات بالية.

الشباب في قلب التغيير

الشباب اللبناني اليوم هو العمود الفقري لأي تغيير حقيقي، فهو يمتلك طاقة ورؤية متجددة تحتاج الأحزاب إلى الاستماع إليها بجدية. لم يعد الشباب يبحث عن منابر تلقى فيها الأفكار الفوقية عليهم، بل يريد أن يكون شريكًا حقيقيًا في صناعة القرار وصياغة مستقبل البلاد.

ما تفتقر إليه الأحزاب اللبنانية هو منصة حقيقية تسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم ومشاركتها، بعيدًا عن القوالب التقليدية. يجب أن تتحول هذه الأحزاب من كيانات مغلقة تخشى التغيير إلى منابر مفتوحة تتبنى الأفكار الجديدة، وتصغي بصدق إلى مطالب الجيل الجديد الذي يمثل الأمل في مستقبل أفضل.

خطوات نحو التحول المطلوب

لتحقيق هذا التحول الجوهري، هناك خطوات أساسية يجب أن تتبناها الأحزاب اللبنانية:


1. التواصل المباشر والشفاف: بناء قنوات حوار مفتوحة مع الشباب عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، حيث يكون الحوار متبادلًا وليس أحادي الاتجاه.


2. إشراك الشباب في اتخاذ القرار: منح الشباب الفرصة لقيادة المبادرات والمشاركة في رسم السياسات بدلًا من تهميشهم أو استخدامهم كأداة تجميلية.


3. تحديث الخطاب السياسي: الابتعاد عن الخطاب الطائفي التقليدي، والتركيز على قضايا الشباب مثل التعليم، والبطالة، والبيئة، وحقوق الإنسان.


4. الالتزام بمبادئ الحق والعدالة: يجب أن تكون الأحزاب مرآة تعكس صوت الشعب، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، بعيدًا عن المصالح الضيقة والمصالح الشخصية.


إن مستقبل لبنان لا يمكن أن يبنى على أفكار عفا عليها الزمن أو مصالح شخصية ضيقة. الأحزاب السياسية مطالبة اليوم بتبني رؤية جديدة تقوم على الاستماع إلى الشباب، والانفتاح على الأفكار المتجددة، وتقديم خطاب يرتكز على “الحق والحقيقة”. عندها فقط، يمكن لهذه الأحزاب أن تستعيد ثقة الناس وتساهم بفعالية في بناء وطن يسوده العدل والتقدم

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")