يوسف مرتضى - كاتب سياسي


ثلاثة مشاريع للشرق الأوسط الجديد:

١- مشروع إحياء الإمبراطورية الفارسية

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أدركت سلطة الملالي، أن استراتجيتها لإعادة بث الحياة للأمبراطورية الفارسية في الشرق الأوسط، تكمن بداية في السيطرة على المنطقة العربية التي لا يجمع بين دولها جامع إذا ما استثنينا مجلس التعاون الخليجي. وأن العامل الأساسي والأكثر تأثيراً في الرأي العام العربي هي قضية فلسطين. وبعد خروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بأعقاب اتفاقات كامب ديفيد عام ١٩٧٨، وخروج منظمة التحرير الفلسطينة من معادلة الصراع المسلح مع إسرائيل بنتيجة اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، حملت إيران راية فلسطين، وراحت تحت هذه الراية التي تتعاطف معها البيئات السنية العربية، تعمل على استنهاض البيئات الشيعية العربية لتسير تحت عباءتها حاملةً راية تحرير فلسطين من "المي للمي "عبر ما سمي بمحور المقاومة ووحدة الساحات.

تمكنت إيران خلال العقود الماضية من تحقيق نفوذ كبير في المنطقة، إلى حد راح مسؤولوها يصرّحون جهاراً أنهم باتوا أصحاب القرار في أربع عواصم عربية، بيروت، بغداد، دمشق وصنعاء .

إلا أن طوفان الأقصى أحدث تحولاً كبيراً في موجبات الصراع في المنطقة، حيث وضع إسرائيل أمام تحدٍ وجودي، الأمر الذي جعل الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية يتقدمون بكل قواهم لإنقاذ قاعدتهم الصهيونية، وكان في صلب خطتهم في هذا المجال،  على ما شاهدناه وعشناه،  قراراً دولياً بالإجهاز على أذرع إيران في المنطقة. وكان من نتيجة ذلك ما ورد في حيثيات اتفاق وقف إطلاق النار، نزع سلاح حزب الله، تحت عنوان تنفيذ القرار الأممي ١٧٠١. ولضمان تنفيذه بالشروط الإسرائيلية - الأميركية، تشكلت وبرضى الجانب اللبناني لحنة رقابة دولية برئاسة ضابط أميركي، وفي ذلك تكرار لتجربة بريمر في العراق.

وما يحصل في سوريا اليوم، هو استكمال تنفيذ القرار الدولي بإنهاء الأذرع الإيرانية على ما يبدو، تمهيداً لمفاوضات أميركية إيرانية مع إدارة ترامب في الربع الأول من العام القادم تأتي إليه إيران مخففة من الأذرع ، على ثلاثة ملفات ، الملف النووي، ملف الأذرع وأمن منطقة الشرق الأوسط ،والبرنامج الصاروخي الإيراني.

إذا سارت الأمور بهذا الاتجاه وهذا ما هو مرجّح ، يكون المشروع الإمبراطوري الفارسي للشرق الأوسط قد فشل.

٢- مشروع أردوغان لإحياء السلطنة العثمانية

اندفع هذا المشروع بعهد الرئيس أوباما لتوظيف نتائج انتفاضات الربيع العربي في مشروع إسلام سياسي يعم المنطقة العربية، يتعايش مع الديمقراطية على نموذج حكم العدالة والتنمية في تركيا ، وترعاه صفقة أميركية مع تنظيم الأخوان المسلمين الدولي، وتحتل دور القيادة فيه تركيا الأردوغانية .

أفشلت مصر السيسي مشروع محمد مرسي الإخواني فتدحرجت أحجار الدومينو الآسلاموية من مصر إلى سوريا وليبيا وتونس، وقطع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبكراً الطريق عليه في الخليج، بمشروعه الانفتاحي المبني على فكرة التنمية ضمن مشروع ٢٠٣٠.

أضف إلى ذلك ما تعرض له حكم أردوغان من تهدي بمحاولة انقلاب عام ٢٠١٦ . ثم نهوض المعارضة التركية في مواجهته بالانتخابات  الرئاسية الأخيرة بعد خسارته لبلديتي أنقرة وإسطنبول. وبات يقلقه جداً ويهدد مصيره السياسي ومصير حزبه احتمال قيام كيان كردي في سوريا  بدعم أميركي، وتداعيات ذلك على وحدة تركيا.

وهكذا أسطيع القول أن مشروع الخلافة العثمانية الذي طمح إليه أردوغان قد فشل هو أيضاً في العالم العربي، مع استمرار طموحه بإنعاشه في البلدان الطورانية في أسيا الوسطى .

وعلى الرغم من أن اجتياح جبهة تحرير الشام بصورة غير متوقعة لثلاث محافظات سورية ، حلب، حماة وإدلب، واحتمال تقدمهم باتجاه حمص ودمشق، يحصل بدعم وتسهيلات تركية، وأيضاً بدعم وتغطية أميركية لتركيا، وغض نظر روسي تحت الأمر الواقع ، فإن جبهة تحرير الشام تحاول أن تنزع عنها عباءتها الإسلاموية لمصلحة إدارة مدنية، والجولاني يتخلى عن إسمه المصنّف به إرهابياً، ليعود إلى إسمه الحقيقي أحمد الشرع، وللقول أن جبهة تحرير الشام بعيدة عن أي توجه لبناء نظام إسلامي في سوريا.

٣- المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد والذي يتناغم معه العدو الإسرائيلي

يقوم بداية على ما أعتقد بالمحافظة على خرائط إتفاقية سايكس-بيكو، ولكن مع السعي لتغيير بنية الأنظمة وتحويلها إلى أنظمة لا مركزية على غرار النظامين في لبنان والعراق، وهو ما يتضمّنه أيضاً مشروع قرار محلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ للحل في سوريا. وفي حال عدم استقرار هذه الأنظمة وفق صيغة اللامركزية، يصبح من غي المستبعد أن تتحول في المستقبل إلى الفدرالية أو الكونفدرالية. كما قد نذهب في المستقبل الأبعد وفي ظروف مختلفة، إلى قيام شرق أوسط جديد يعيد  النظر بخرائط سايكس-بيكو، أي تقسيم دول المنطقة إلى دول طائفية ومذهبية وعرقية. هذا المشروع تتبناه وتعمل على تحقيقه إسرائيل ، ولكنه يقلق بقوة إيران وتركيا والسعودية والعراق…

أمام عهد ترامب ٤ سنوات ستبذل إدارته قصارى جهدها لتحقيق الشرق الأوسط الجديد بنسخته الأولى أي اللامركزية،  الذي نراه يتقدم على حساب المشروعين الإيراني والتركي. وطالما أن الصراع مفتوح، فلا يمكن الجزم بالنهائيات، كما لا يمكن تغييب دور ومصالح الدول العظمى الآخرى والتأثير في مسار الأحداث، تحديداً روسيا،جارة هذه المنطقة التي تؤثر فيها وتتأثر بها.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News