كتبت كارين عبد النور في جريدة الحرة


في خطوة مفاجئة من حيث التوقيت والزخم، بسطت قوى المعارضة السورية الإسلامية المسلّحة، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، سيطرتها على مناطق استراتيجية واسعة شمال البلاد تشمل مدينة حلب ومطارها الدولي وريفها الغربي، إضافة إلى مناطق في محافظتي إدلب وحماة، والزحف يتواصل.

وجاءت هذه التطورات بعد إطلاق المعارضة عملية “ردع العدوان”، وسط انهيارات في صفوف قوات النظام السوري، التي انسحبت من مواقع حيوية بعضها تسلّمته قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وفي وقت يتلقى النظام دعماً من الضربات الجوية الروسية، يحاول جاهداً وقف تقدُّم المعارضة، حيث يبدو أضعف من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة.

إنعكاسات استراتيجية على إيران وحزب الله

يضرب التقدّم الأخير للمعارضة السورية المصالح الإيرانية في سوريا في الصميم. إذ تمثّل حلب وحماة عقدة استراتيجية في شبكة الإمدادات الإيرانية الممتدة من طهران إلى دمشق ومنها إلى لبنان. فسيطرة المعارضة تقطع أحد أهم خطوط الإمداد اللوجستي لحزب الله، ما يعرقل قدرته على تعزيز وجوده في الجنوب اللبناني، خاصة في ظل الضغوط الإسرائيلية المتواصلة رغم اتفاق وقف إطلاق النار.

بالإضافة إلى ذلك، يشكّل هذا التقدّم تهديداً لمواقع إيران الاستراتيجية في سوريا، حيث قد تضطر طهران إلى تعزيز وجودها العسكري بشكل أكبر لتعويض الخسائر، ما يعرّضها لمزيد من الاستنزاف المادي والبشري.

التأثير الإقليمي الأوسع

ولكثرة اللاعبين الإقليميين النافذين فوق الخارطة السورية، تتجه المنطقة نحو تصعيد خطير قد يتجاوز الحدود السورية. فالتدخل الإيراني المباشر لاستعادة المناطق المفقودة قد يدفع إسرائيل إلى استغلال الفرصة لتوجيه ضربات أوسع على مواقع إيران وحزب الله في سوريا، ما يرفع احتمالية اندلاع مواجهة إقليمية أكبر.

من ناحيتها، ثمة دور تركي في ما يجري لناحية دعم التحرّكات الحاصلة وعين أنقرة على إضعاف الواقع الكردي في الشمال السوري. أما روسيا المنغمسة في المستنقع الأوكراني، فليس واضحاً مدى استعدادها وقدرتها على دعم النظام في محنته. هذا في وقت يسود الموقف الأميركي – المعارض للنظام والمصنِّف لـ”هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية – الغموض. موقف يزداد غموضاً في ظل إدارة تعدّ أيامها الأخيرة في البيت الأبيض.

بناءً على ذلك، يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة من التصعيد، حيث تتداخل المصالح الدولية والمحلية. وفي ظل غياب أي بوادر لتسويات سياسية شاملة، فإن استمرار التصعيد قد يجرّ الجميع إلى مواجهة أوسع تهدّد استقرار المنطقة ككلّ.

وتفتح التطورات الأخيرة الباب أمام إعادة تشكيل ميزان القوى في سوريا، مع احتمال تصاعد المواجهات بين الفصائل المعارضة وقوات النظام المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله. كما أن الخسائر الميدانية للنظام قد تنتج ردود فعل إيرانية عسكرية لإعادة فرض السيطرة، ما يهدّد بتوسيع نطاق النزاع ليشمل الساحة اللبنانية.

التداعيات على الداخل اللبناني

في الداخل اللبناني، تضاعف الأحداث السورية من الأعباء على حزب الله، حيث أن تزامن هذا التصعيد مع التوترات الإسرائيلية – اللبنانية يضع الحزب في مواجهة تحديات متعددة الجبهات. فقد يجد نفسه أمام ضرورة تأمين جبهته الداخلية من دعم عسكري ولوجستي وحماية خطوط إمداده عبر سوريا، ما قد يؤدي إلى استنزاف إضافي لقدراته العسكرية والاقتصادية. كما يخشى الحزب من استغلال إسرائيل لهذا الضعف عبر تصعيد هجماتها على مواقعه، ما يعمّق التوتر في الجنوب اللبناني.

فلبنان، المتأثر مباشرة بهذا التصعيد، قد يجد نفسه في قلب تداعيات معركة تتخطى حدوده، خاصة بعد أن أعلن أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أنه سيكون إلى جانب سوريا لإحباط العدوان عليها، ما يستدعي تحركاً دبلوماسياً عاجلاً لتجنّب الانزلاق إلى صراع أوسع. فهل تفتح التطورات الأخيرة الباب أمام فصل جديد من الصراعات يقود المنطقة إلى مزيد من التعقيد العسكري والجيو – سياسي والأثمان البشرية الباهظة؟


المصدر : الحرة