يوسف مرتضى - كاتب سياسي


لتلمّس الأسباب الجوهرية للانهيار السريع وغير المتوقع لجيش النظام السوري وداعميه ، لا بد من العودة إلى أحداث أعوام ٢٠١٥-٢٠١٨. هددت الثورة السورية جدياً وجود نظام الأسد بين عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢، فاستعان بحزب الله، ثم بالحرس الثوري الإيراني. وعندما كادت الثورة في آواسط العام ٢٠١٤ أن تجهز على النظام وداعميه، ذهب قاسم سليماني قائد فيلق القدس الأسبق بالحرس الثوري الإيراني وبتكليف من القيادة الإيرانية، إلى موسكو طالباً دعم روسيا. وافق بوتين على الدعوة نظراً لما لروسيا من مصلحة استراتيجية بالوصول إلى المياه الدافئة على البحر الأبيض المتوسط، وحيث يمكّنها ذلك من درئ أخطار تمدد الإسلام السياسي إلى أسيا الوسطى و جنوب روسيا عبر سوريا،  ما يهدد استقرارها ووحدتها، وليس رغبة لا بإنقاذ إيران وأذرعها في سوريا ولا بإنقاذ نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أهمية ذلك بالنسبة لاستراتجية روسيا الجيوسياسية، حرص الرئيس بوتين على جس نبض الجانب الأميركي وعدم معارضة واشنطن لتدخّل موسكو بالأحداث السورية، بعدما كانت روسيا قد استخدمت ثلاث مرات حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي تقدمت به أميركا ومجموعة الإتحاد الأوروبي ضد النظام السوري.


وهكذا استعاد النظام السوري سيطرته على ما أسماه بشار الأسد بسوريا المفيدة في نهاية العام ٢٠١٦ بدعم روسي من الجو وعبر قوات فاغنر, والمليشيات الإيرانية وعمودها الفقري حزب الله اللبناني على الأرض. 


 استقر الوضع في سوريا بعد العام ٢٠١٨ بتقاسم النفوذ بين النظام السوري مدعوماً من إيران وروسيا التي كسبت مقابل وقوفها إلى جانبه ، قاعدتين جوية في حميميم وبحرية في طرطوس. والمعارضة في إدلب ودرعة مدعومة من تركيا ،والكيان الكردي في الحسكة والقامشلي شرقي الفرات المدعوم من الأميركي، ضمن ما سمي بمناطق خفض التصعيد.


حرب روسيا في أوكرانيا، وحرب إسرائيل في لبنان، وأسباب آخرى مهدت للإنهيار السريع لجيش نظام الأسد، ما هي؟ 

١-العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا في بداية العام ٢٠٢٢ استدعت سحب اسراب طائراتها الهجومية من سوريا ، وكذلك سحب مجموعات فاغنر، وبقيت وحدات الشرطة العسكرية الروسية كقوة فصل في مناطق خفض التصعيد في سوريا، العدد الأكبر منها تموضع في دمشق وفي جنوبها كضمان لاتفاق تعهدت به روسيا لإسرائيل بمنع المليشيات الإيرانية من الاقتراب من الحدود السورية الجنوبية. 


٢-المواجهة بين حزب الله وإسرائل في جنوب لبنان تطلبت سحب أعداد كبيرة من القوى القتالية لحزب الله من سوريا إلى لبنان.


٣-ما تبقى من عناصر قليلة لحزب الله مع مجموعات من عصائب أهل الحق العراقية وحزب الله العرق الذين كانوا يتموضعون في حلب وشمال حلب وريف إدلب ، سحبت إيران معظمهم إلى حدود القنيطرة في الجنوب السوري إثر إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في محاولة إيرانية للإيحاء بأن الموافقة على شروط وقف إطلاق النار في لبنان ، لا يفقدها إمكانية تهديد أمن إسرائيل . 
٣-الإستياء الروسي لا بل قل الغضب الروسي من بشار الأسد لإفشاله محاولات بوتين المتكررة معه للتطبيع مع أردوغان تمهيداً لتخفيف استنزاف روسيا في سوريا ودخول الإستثمارت العربية إليها، هذا الاستياء الروسي قرأه أردوغان جيداً وعرف كيف يستغلّه.


٤- حاولت روسيا مراراً التدخل لدى طهران لوقف حرب الإسناد من جبهة لبنان خشية تداعياتها اللاحقة، كما حاولت التدخل وبطلب من إسرائيل التوسط مع إيران لوقف المواجهة بين حزب الله وإسرائيل وقبول فصل جبهة لبنان عن غزة، غير أن إيران سوفت وماطلت ولم تستجب للوساطة الروسية، ما أثار استيائها، وتضاعف هذا الاستياء، قبول طهران بوساطة الأميركي عبر مبادرة بايدن لوقف إطلاق النار والتي ذهب ضحيتها أمين عام حزب الله حسن نصرالله.


٥- وحدات الجيش السوري المنتشرة في الشمال والشرق معظمها إن لم نقل جميعها من الطائفة السنية، غير متعاطفة مع الأسد، ومخترقة من المخابرات التركية، هذا فضلاً رواتبهم الزهيدة في ظل وضع اقتصادي كارثي في سوريا، وفساد مبالغ فيه ومكشوف للنظام وحاشيته.


٦- الانقسام في القرار الرسمي الإيراني ، والاختلاف المحكم بين الحكومة والحرس الثوري في مقاربة ملف الأذرع ، أي ما ملخّصه الصراع بين الدولة والثورة.


٧-استغلت تركيا الفراغ الميداني الذي أحدثه الانسحاب الروسي وحزب الله، والغضب الروسي المزدوج من بشار ومن طهران، وقراءة أردوغان لأبعاد القرار الدولي بإنهاء أذرع إيران، والانقسام داخل الإدارة الإيرانية، وعدم التزام بشار الأسد بما طالبه به العرب في قمة الرياض بالانفتاح على تركيا وأخذ مسافة من طهران لمد يد المساعدة له، كل هذه العوامل تضافرت لتحفّز أردوغان على اتخاذ القرار بدعم فصائل المعارضة المسلّحة، بعدما ضمن تغطية سياسية أميركية كاملة، وغض نظر روسي، للإطاحة بنظام ببشار الأسد، وإحياء المسار السياسي للحل في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤، وإبراز الوجه المدني للجولاني لطمأنة الداخل والخارج ، مع الحديث عن تعهدات قدمها أردوغان لروسيا لضمان مصالحها في سوريا!؟.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")