يشهد لبنان لحظة مفصلية مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لطالما شكل أحد أبرز عناصر التأثير الإقليمي على الساحة اللبنانية. هذا الحدث التاريخي يضع لبنان أمام تحديات كبرى، خاصة مع اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في جلسة نيابية مفصلية الشهر المقبل. وبينما تُثار تساؤلات حول قدرة القوى السياسية على تجاوز خلافاتها واختيار رئيس يُعيد الاستقرار ويحقق التوازن في العلاقات الداخلية والخارجية، تتشابك تطلعات اللبنانيين مع الضغوط الدولية والتحولات الإقليمية التي تفرض واقعاً جديداً على الجميع. فهل يتمكن لبنان من اغتنام هذه اللحظة لإعادة ترتيب أوضاعه، أم أن الانقسامات ستُعيد إنتاج الأزمات؟


مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يقف لبنان على أعتاب مرحلة سياسية جديدة في ظل استعداد البرلمان لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من يناير المقبل. الجلسة المرتقبة، التي تحمل آمال إعادة انتظام المؤسسات الدستورية والعلاقات اللبنانية-السورية، تواجه تحديات التوافق على شخصية رئاسية مقبولة دولياً ومحلياً، تتماشى مع معايير اللجنة الخماسية، وتساهم في انتشال لبنان من أزماته المتعددة.

مرحلة جديدة بعد سقوط الأسد

تعتبر مصادر سياسية بارزة أن سقوط النظام السوري يمثل زلزالاً سياسياً في المنطقة، ولن يكون لبنان بمنأى عن تداعياته. هذه التحولات تتطلب من القوى السياسية مراجعة حساباتها استعداداً للتكيف مع النظام العالمي الجديد، بدءاً بانتخاب رئيس يعكس هذا التوجه. وتشدد المصادر على أن أي رئيس يُنتخب بلا توافق قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات بدل حلها.

مواقف الأطراف: توازنات وتحالفات جديدة
فيما تشير مصادر إلى ضرورة تكيف "حزب الله" مع المعطيات الإقليمية الجديدة، تبرز تساؤلات حول مدى استعداده لإعادة صياغة خياراته السياسية في ضوء المتغيرات، لا سيما بعد خسارته ركيزة أساسية في محور الممانعة. ويدعو المراقبون إلى استيعاب الحزب ضمن مشروع الدولة، بدلاً من تهميشه أو محاكمته على مواقفه السابقة.

رئيس البرلمان نبيه بري يظهر كركيزة أساسية للتفاهمات السياسية، مع دعوات متزايدة لتعزيز انفتاحه على القوى المختلفة لإنتاج تسوية سياسية تضمن الاستقرار. وفي الوقت نفسه، تلقي مصادر الضوء على أهمية موقف المجتمع الدولي، الذي يراقب عن كثب مدى قدرة لبنان على تطبيق القرار 1701، كشرط لاستعادة الدعم الدولي.

انتخاب الرئيس: بين الفيتوات والتوافق

تبادل الفيتوات المسبقة بين الكتل النيابية يُعقّد عملية انتخاب الرئيس، ما يفتح الباب أمام احتمالات تأجيل الجلسة سعياً للتوصل إلى توافق. ويبرز اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون كمرشح توافقي محتمل، لكن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً، في حين تباينت مواقف القوى السياسية بشأن دعمه.

رسائل من دار الفتوى: تخفيف الاحتقان

اجتماع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الرئيسين السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، برعاية مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أرسل رسائل تطمين تدعو إلى خفض التوتر السياسي وتحصين الاستقرار. وتدعو الأطراف السياسية كافة إلى التزام خطاب هادئ يتماشى مع المتغيرات الإقليمية ويحيد لبنان عن تداعيات سقوط الأسد.

تسوية لإنقاذ لبنان

المصادر السياسية تراهن على دور قادة بارزين، مثل وليد جنبلاط وقوى المعارضة، في دعم مشروع تسوية شاملة تبدأ بانتخاب رئيس يجمع بين دعم مسيحي وازن وتوافق الثنائي الشيعي. في هذا السياق، تتزايد الضغوط على القوى السياسية لتجاوز الحسابات الضيقة والمضي في طريق التوافق لإنقاذ البلاد.

ختاماً، يرى المراقبون أن لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم ملامح استقراره السياسي في ضوء التحولات الإقليمية، شرط أن تنجح القوى السياسية في تجاوز انقساماتها والمضي قدماً نحو تسوية تعيد الثقة الدولية والمحلية بمؤسساته.


المصدر : الشرق الأوسط