لم يكتمل حلم السوريين بالخروج من دائرة الظلم والقمع رغم سقوط حقبة "الأسدين"، إذ لا تزال أسرار السجون والمعتقلات السرية وملفات المفقودين اللبنانيين والسوريين تقبع خلف أبواب موصدة. وبين بصيص الأمل ورعب المجهول، يواصل أهالي الضحايا رحلة البحث عن العدالة والمفقودين، في ظل توثيقات لجرائم وانتهاكات تقشعر لها الأبدان.


تستمرّ معاناة السوريين في ظل إرث طويل من القمع والاستبداد الذي بدأه حافظ الأسد واستمر في عهد ابنه بشار. رغم محاولات الخروج من "السجن الكبير"، فإن تفكيك شبكة السجون والمعتقلات السرية، بالإضافة إلى المقابر الجماعية المحتملة، ما يزال أمراً مستحيلاً، بينما يظلّ مصير مئات المعتقلين مجهولاً، وأهاليهم ينتظرون أي معلومة قد تريح قلوبهم المتعبة.

من بين 622 لبنانيًا تم اعتقالهم أو اختطافهم أو إخفاؤهم قسراً في سوريا خلال فترة حكم الأسد، عاد تسعة فقط إلى لبنان بعد انهيار النظام، ولا يزال مصير الآخرين مجهولًا. في هذا السياق، يعيش أهالي المفقودين حالة من الألم الممزوج بالأمل، حيث لا تزال عمليات البحث في السجون السورية جارية. يزداد الحلم بالعودة إلى الحرية مع كل لحظة انتظار، ويستمرّ البعض في الخوف من نتائج مأساوية.

أحدث الأخبار تبرز صورة رجل مسن خرج من سجن حماة بعد 39 عامًا من الأسر، مما أعاد الأمل للكثير من العائلات اللبنانية التي طالما يئست من معرفة مصير أبنائها المفقودين. لكن رغم الكشف لاحقاً عن هوية المعتقل، فإن ذلك لم يقلل من آمال أهالي اللبنانيين المفقودين، الذين اعتبروا أن عودة أي شخص، مهما كان، هي شعاع نور وسط الظلام.

سجن صيدنايا، الذي يُعتبر أحد أسوأ السجون في العالم، كان وما يزال رمزا للمعاناة والظلم. داخل جدرانه، هناك قصص عن تعذيب لا يمكن تخيله. ورغم محاولات كشف أسرار السجون، تظل مئات القصص المفقودة في طيّ النسيان. ففي كل مكان في سوريا، توجد سجون سرية مجهولة، أعدّت خصيصاً لتخفي الأبرياء من المعارضين والمواطنين العاديين، من خلال تقنيات تعذيب لا تمت للإنسانية بصلة.

العدد الموثق للمعتقلين اللبنانيين في سوريا يصل إلى 622، وغالبية هؤلاء من السنّة، تليهم الأقلية المسيحية ثم الدروز، ويعكس هذا التوزيع الصراعات السياسية التي مرّت بها المنطقة. كان الاعتقال يطال كل من يعارض النظام السوري أو حتى أولئك الذين يتهمهم النظام زوراً.

في ظل غياب أي معلومة حقيقية عن المفقودين، لا تزال لجنة أهالي المفقودين والمخفيين قسراً، التي تأسست عام 1982، تسعى لملاحقة العدالة وتوثيق هذه الجرائم. وقد ساهمت اللجنة بشكل كبير في إبقاء القضية حية في الذاكرة اللبنانية، وأدت إلى إقرار قانون الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً في عام 2018.

بينما تواصل الأسرة الدولية محاولاتها لكشف مصير المفقودين، يظلّ أمل الأهالي حيًّا، رغم السنوات الطويلة من الظلم. إن عودة أي شخص من هؤلاء المعتقلين، ولو بعد عقود من المعاناة، يظلّ بصيص الأمل في عتمة الماضي، وكأن "الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود".


المصدر : الانباء الكويتية