العفو العام جريمة بحق العدالة
14-12-2024 02:45 PM GMT+02:00
منذ عام ١٩٩٠، شارك جميع الأطراف السياسيين في الحكم بعد إصدار عفو شامل عن جرائم الحرب (١٩٧٥-١٩٩٠)، مما حوّل المتحاربين السابقين إلى "سياسيين" بكبسة زر.
بعد مرور ٣٤ عاماً على ذلك العفو، وصل لبنان إلى حالة مأساوية حيث تسيطر الجريمة المنظمة على كل السلطات وتنتشر ثقافة التسلط وانتهاك الدستور والقوانين. والآن، يسعى هؤلاء السياسيون مجدداً لطي صفحة الماضي عبر الترويج لعفو جديد يغطي كل ما اقترفوه من فساد وجرائم واغتيالات منذ ١٩٩٠ وحتى اليوم. ويتجلى ذلك في تمرير قانون لتمديد فترة عمل القضاة، وهم يستشعرون خطر محاسبتهم القادم.
القضاء العادل هو الركيزة الأساسية لاستعادة الدولة. فلا يمكن لرئيس الجمهورية أو الحكومة إحداث أي تحول جذري في غياب قضاء مستقل ونزيه. لكن مع الأسف، بلغ الفساد في المؤسسة القضائية مستويات قياسية، حيث تحولت بعض النيابات العامة والمحاكم إلى أدوات سياسية تشبه عمل الميليشيات، مع استثناء القضاة الشرفاء الذين ما زالوا يمثلون ضمير العدالة.
بالإضافة إلى ذلك، برز تحذير صريح من مفتي راشيا يحمل دلالات خطيرة بشأن المماطلة في إطلاق سراح السجناء الإسلاميين من السجون اللبنانية. كان الأولى بسماحة المفتي أن يطالب بإحقاق العدالة، وفضح المقصرين، والادعاء عليهم. ويبدو أن بعض السياسيين من مختلف الطوائف سيسعون قريبًا للمطالبة بعفو عام يشمل تجار المخدرات، تحت شعارات براقة أصبحت مكررة ومستهلكة. وهذا يذكرنا بما حدث عام ١٩٩٠، حيث يعيدون إنتاج أنفسهم في لعبة سياسية لا رابح ولا خاسر فيها، ليسلموا السلطة والثروات المنهوبة لأبنائهم وأقاربهم.
العفو العام يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ العدالة والمساواة، فهو يقوض جوهر سيادة القانون ويفتح الباب أمام الإفلات من العقاب. كما أن محاولات التلاعب بالمحاكمات وإعاقة سيرها العادل تمثل اعتداءً مزدوجاً على روح العدالة وعلى أحكام الدستور اللبناني.
وفي النهاية، يظل الشعب ومؤسسات الدولة يدفعون الثمن، بينما يتحمل الجيش اللبناني فاتورة الدم مراراً وتكراراً، متمسكاً بواجبه الوطني وملتزماً بحماية الدولة، رغم فسادها وانحطاط زعاماتها، وحتى في ظل سيطرة منظومة إجرامية متجذرة في الحكم!
موقفي واضح:
- نعم للعدالة فوق الجميع، وفوق القضاة أنفسهم.
- قضية الموقوفين الإسلاميين تجسد صورة مصغرة للعدالة المشوهة، حيث تحولت من قضية قانونية إلى مادة سياسية رخيصة يتم المتاجرة بها وفق المصالح والحسابات الضيقة.
- القضاة المقصرون يتحملون مسؤولية تأخير المحاكمات، ويجب محاسبتهم وإخضاعهم للمساءلة القانونية إذا ثبت تنفيذهم لأوامر سياسية تتعارض مع مبادئ العدالة واستقلالية القضاء.
- نعم للعدالة للجميع، وليس للموقوفين الإسلاميين فقط.
- نعم للمحاكمات العادلة والشفافة.
- نعم لمحاسبة كل من رفع السلاح بوجه الجيش والتأكيد على مبدأ المحاسبة الشاملة دون تهاون أو إفلات من العقاب.
- نعم لتبرئة الأبرياء وتعويضهم ومساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع.
ولكن: لا وألف لا للعفو العام.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")
المصدر : Transparency News