على وقع التحولات الإقليمية الكبرى وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، تتجه الأنظار إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل. ففي ظل الفراغ المستمر منذ أكثر من عامين، والتراجع الملحوظ في قدرة القوى التقليدية على فرض هيمنتها، تبرز الحاجة إلى توافق وطني يُنهي المأزق السياسي ويمهّد لبداية مرحلة جديدة في تاريخ لبنان.


فرضت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا واقعاً جديداً على المشهد السياسي اللبناني، أبرزها تراجع قدرة "حزب الله" وحلفائه على فرض مرشحهم لرئاسة الجمهورية كما كان الحال في الاستحقاقات السابقة. ومع اقتراب موعد جلسة 9 يناير (كانون الثاني) المقبلة، تبدو هذه المحطة مفصلية لإنهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ 26 شهراً في قصر بعبدا.  

تغير قواعد اللعبة السياسية
منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، هيمن "حزب الله" على ملف الرئاسة، حيث نجح بفرض معادلة "إما مرشحنا أو الفراغ". هذه المعادلة عطّلت انتخابات 2008 حتى انتُخب ميشال سليمان بعد اجتياح بيروت، كما استمرت مع انتخاب ميشال عون عام 2016 بعد فراغ دام عامين ونصف. ومع انتهاء ولاية عون، لجأ الحزب، بدعم رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى تعطيل جلسات انتخابية متتالية، بهدف فرض مرشح الثنائي الشيعي، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.  

ضغط دولي ومتغيرات إقليمية 
تغيرت المعطيات مع تراجع نفوذ النظام السوري، الضربات التي تلقاها "حزب الله" خلال الحرب الأخيرة، والتحولات المرتقبة في إيران. هذه التطورات، وفق مراقبين، دفعت الحزب وبري إلى السعي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في ظل ضغوط دولية مكثفة.  

النائب بلال الحشيمي، عضو كتلة نواب المعارضة، صرّح لـ"الشرق الأوسط" أن "التحولات الإقليمية وضغوط المجتمع الدولي أضعفت قدرة الثنائي الشيعي على التعطيل"، مشيراً إلى أن "دعوة الرئيس بري سفراء أجانب وعرب لحضور الجلسة مؤشر على جدية السعي لإتمام الانتخاب". وأضاف: "آن الأوان لأن يضع الحزب مصلحة الدولة فوق أجنداته الإقليمية".  

تحولات في التحالفات السياسية 
رغم تعطيل الحزب لجلسات انتخابية منذ انتهاء ولاية عون، إلا أن ابتعاد حلفاء مثل التيار الوطني الحر، وتغير مواقف كتل برلمانية كـ"الاعتدال الوطني" و"اللقاء الديمقراطي"، أضعف قدرة الحزب على تعطيل النصاب. فبينما يحتاج تعطيل النصاب إلى 43 نائباً، لم يعد عدد نواب الثنائي وحلفائهم يتجاوز 33، ما يجعل التعطيل مرهوناً بتحالفات إضافية يصعب تأمينها.  

حزب الله والبحث عن مخرج 
مصادر مقربة من "حزب الله" نفت أن يكون الحزب معطلاً للاستحقاق، مؤكدة أن موقفه "لم يتغير قبل الحرب أو بعدها"، وأنه يسعى لانتخاب رئيس يحظى بتأييد واسع، رافضاً خيار "رئيس تحدٍّ".  

ورغم التراجع عن شرط الحوار، أشار المصدر إلى أن سليمان فرنجية لا يزال مرشحاً مدعوماً من الثنائي الشيعي، إلا أن الحزب منفتح على توافق وطني أوسع.  

نحو مرحلة جديدة؟ 
مع هذه المتغيرات، يبقى الأمل معقوداً على انتخاب رئيس يحظى بتوافق وطني واسع. الحشيمي شدد على ضرورة تسليم الجيش اللبناني مسؤولية الدفاع عن البلاد، مؤكداً أن لبنان لم يعد يتحمل مغامرات سياسية تخدم أجندات خارجية. وأضاف: "انتخاب رئيس قوي يحظى بدعم كل المكونات بات شرطاً للشروع في بناء دولة قادرة على فرض سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية".  

جلسة 9 يناير قد تمثل بداية مسار جديد في السياسة اللبنانية، حيث تسود الآمال بأن تؤسس لتوازن سياسي يمهّد لإعادة بناء مؤسسات الدولة وترسيخ الاستقرار.  


المصدر : الشرق الأوسط