حسين عطايا


ثمة مشكلة مستعصية تسيطر على الحياة السياسية في لبنان، أهمها الطبقة السياسية الحالية، والتي هي امتداد لميليشيات الحرب الأهلية اللبنانية البغيضة ومتفرعاتها. بحيث إن أمراء الحرب لم يستطيعوا حتى تاريخه نزع أفكار الحرب وخزعبلاتها، بالإمساك في جماهير المناطق التي سيطروا عليها بالحديد والنار لفترة طويلة من الزمن. ويوم وضعت الحرب أوزارها بقرار إقليمي ودولي، استبدلوا بدلاتهم الزيتية والمُرقطة ببدلات وربطات عنق، لكنهم في الفكر والممارسة ظلوا بعقولهم في زمنٍ غابر.

فعلى الرغم من انتهاء الحرب وغياب المدفع والسلاح، فهم لا يزالون يمارسون السياسة ببعض أساليب الحرب. حتى الذين جاءوا بعد أن انتهت الحرب وعمّ السلام، كجبران باسيل مثلًا، أخذ عن عمه الجنرال ميشال عون تلك الأساليب ويستلهمها بين الحين والآخر. وبرزت آخرها في الأسبوع الماضي، حين صدر عن كتلة اللقاء الديمقراطي بيان يتبنى ترشيح العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، فاستشاط غضبًا وأعلن:
"ليس وليد جنبلاط من يرشح للمسيحيين من هو الرئيس."

فهنا تكمن بعض العُقد الظاهرة والقصور في تعلم السياسة وأساليبها. فجبران، الفاشل والفاسد والقاصر عن متابعة السياسة بمضامينها، لم يجد سوى نظرية الحفاظ على المسيحيين والتلطي خلفهم ليهرب من مشكلته مع العماد جوزيف عون، لحقدٍ دفين في علاقته مع الرجل. إذ أثبت الجنرال جوزيف عون حسًّا عاليًا في قيادة المؤسسة العسكرية وحمايتها والحفاظ على وحدتها، في الوقت الذي فشلت فيه كافة مؤسسات الدولة وتحللت. وهنا مكمن الخلل والحقد الدفين لدى جبران باسيل وأمثاله في رفضهم لوصول الجنرال عون إلى رئاسة الجمهورية. فهو أثبت جدارته في القيادة واتخاذ القرارات، وأظهر أنه قادر على قيادة الوطن دون أن يكون محسوبًا على أحد أو يتخذ قراراته مراعاةً لأحد على حساب الوطن. وهنا بالحقيقة مكمن الداء الذي يزعج بعض أفراد الطبقة السياسية التي أفسدها الزمن، ولم تستطع تعلم السياسة بل تمارس الحكم من بوابة الفساد والمحسوبيات وبعض ممن أداروا الظهر للوطن والتحقوا بركب السياسة نتيجة خطأ في الزمن الذي أوجدهم فيه.

هذا الأمر يُظهر أن أكثرية الطبقة السياسية لم تستطع مغادرة متاريسها الطائفية وأنانياتها الحزبية والفردية، بعيدًا عن مصالح الوطن وشعبه. ورغم انتهاء الحرب منذ ثلاثين عامًا، لا يزال البعض في متراسه ومنطقته غير قادر على التأقلم مع الواقع الجديد الذي خرج منه لبنان، ولم يستطع تعلم السياسة بعيدًا عن سياسة القطيع وفرض السيطرة على الآخرين.

ففي لبنان حاليًا سلم أهلي، وإن اهتز في بعض الأحيان، وكل ما رافق ويرافق لبنان من أزمات لم يستطع إخراج البعض من جزء من الوطن إلى رحاب الوطن الأوسع. فلا تزال السياسة عندهم مبنية على نظرية التشاطر والمماحكات وبعض البهلوانيات، بعيدًا عن علم السياسة وما تفرضه عليهم من ضرورة إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والحزبية والطائفية. وهذا، للأسف، ما يجعل لبنان يتخبط في أزماته في ظل التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة من تسارع الأحداث، وخصوصًا زوال نظام الطاغية بشار الأسد في سوريا وبداية معالم سوريا جديدة ترتسم. وهم لا يزالون يقبعون في مكانهم، لا يراعون الأحداث وما ينتج عنها من تحولات. وهنا مكمن الخطر على لبنان من طبقته السياسية قبل أن يكون من القريب أو البعيد.


المصدر : Transparency News