حسين عطايا


لا شك أن مفاعيل الزلزال السوري، الذي أرخى بثقله على المنطقة نتيجة التحولات الكبرى التي حدثت في سوريا، وعلى إثرها انهيار النظام وهروب رأسه "بشار الأسد"، وتداعياته الناتجة عنه، من حيث أدت إلى انهيار ما كان يُسمى الهلال الشيعي، وهو يُعتبر مركز الثقل في هذا المحور، والذي كانت إيران قد دفعت مليارات الدولارات لاستثماره، واستقدمت كل المليشيات التي تدور في فلكها، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، وما دفعه من أثمان باهظة في الحرب التي دارت على مدى عقد من الزمن، قد أدى إلى الفشل الذريع في كل مخططات إيران وتطلعاتها المستقبلية. وبالتالي، أُجبرت إيران على العودة إلى حدودها الجغرافية بعد سقوط نظرية الأذرع والقتال خارج حدودها. وبذلك، فُرض عليها تغيير في مخططاتها، على الرغم من أنها لا تزال تتلمس طريقها لفهم ما حدث وبهذه السرعة التي أثبتت أن القيادة الإيرانية لم تكن تتوقع ما حدث أو لم تكن واعية بكل المجريات التي كانت تحدث.

هذا الأمر ترتب عليه مفاعيل بارزة، فعلى المحيط السوري انعكست مفاعيله وفقًا لكل دولة، وخصوصًا الأقرب:

لبنان: بالنظر إلى الحدث السوري، اعتبرت قيادات واسعة أن تحرر الشعب السوري من براثن نظام الأسد ومن خلفه البعث، الذي استمر قرابة ستة عقود من الزمن، ساهم في تحرر لبنان من مفاعيل كثيرة ستنعكس حتمًا على تحرر قراره الداخلي وعلى صعيد السياسة الخارجية. وهذا ما ساهم بمشاركة اللبنانيين أشقاءهم السوريين عرس الحرية، وما آلت إليه من تطورات على الصعيد السوري، لا سيما مع تكشف الحقائق في السجون والمعتقلات السورية، نتيجة الانهيار السريع للنظام. كما أن عمل النظام السابق في الموبقات من أصناف المخدرات وتصنيع الكبتاغون أراح لبنان من ثقل هذا الملف.

الأردن: ارتاح من العصابات الخارجة عن القانون التي كانت تتمركز في سوريا وبعضها مدعوم من إيران ومليشياتها، والتي كانت تؤرق الأردن، الذي دفع أثمانًا باهظة على حدوده الغربية مع سوريا نتيجة تمركز تلك العصابات والمليشيات على الحدود الأردنية.

العدو الاسرائيلي: برهنت الأحداث وتسارعها أن سقوط النظام سبب لها قلقًا متزايدًا. ففي ظل وجود نظام الأسد، كانت تعيش بارتياح على حدودها الشمالية الشرقية نتيجة ما كان يؤمنه نظام الأسد الأب والابن من أمان لحدودها. وهذا ما دفعها لاختراق المنطقة العازلة على الحدود، وتوغلها في منطقة القنيطرة وبقية المناطق، وتمركزها في العديد من النقاط، لا سيما قمة حرمون الاستراتيجية، وتحركها السريع في قصف ما تبقى من مطارات وسلاح جو سوري، كذلك قصف الأسطول البحري المكون من ست قطع بحرية، خوفًا من سيطرة الحكم الجديد على هذه الأسلحة. وقد عبرت قيادة العدو عن عدم اطمئنانها للحكم الجديد، وهذا يُعتبر مخالفًا لاتفاق الفصل بين القوات، الذي تم التوقيع عليه في عام 1974 وخرقًا لكل بنوده.

أما على دول الإقليم:
فأبرز التحديات انعكست على نظام الملالي في إيران، حيث إن التحولات على الساحة السورية أفشلت كل الخطط الإيرانية وقطعت التواصل الجغرافي بين طهران وبيروت، وأرخت بثقلها على النظام الإيراني، الذي لم يستوعب ما حصل لغاية اليوم. وهذا ما يبرر التخبط الإيراني الرسمي، ومن أعلى سلطة، عبر تصريحات رأس النظام "المرشد الأعلى علي خامنئي"، والتي تدل تصريحاته على قصور في فهم ما حصل. كذلك انعكس الموضوع على حزب الله في لبنان.

كل هذه المتغيرات سيكون لها حتمًا انعكاسات إيجابية على المحيط، لكن على الإقليم، لا سيما إيران، فسيكون انعكاسها حتميًا في ضرورة تغيير السياسات والعودة إلى الداخل، لا سيما في إيران، حيث أجبرتها التطورات على العودة إلى الحدود الجغرافية لإيران ومنعها من العبث مجددًا في دول الإقليم كما حصل على مر السنين الماضية، والذي وفر لها ساحة للعبث بدول المنطقة وتوجيه رسائلها للولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا ما سيُحتم عليها دفع أثمان مباشرة بعد اليوم، كما لا يُستبعد توجيه ضربات مباشرة لبرنامجها النووي وتحجيم دورها الإقليمي وإعادتها إلى حجمها الطبيعي داخل حدودها، بعد انهيار الساحات التي كانت تعبث بها. وهذا ما سيجعلها تتلقى الضربات والقتال على أراضيها وتدفع الثمن مباشرة، بعدما كانت تدفع عنها ذلك دول وشعوب المنطقة، وخصوصًا العواصم الأربع التي كانت تتغنى بالسيطرة عليها "لبنان، سوريا، العراق، واليمن".

فإن الحدث السوري قد أظهر الاهتمام الدولي بما جرى من تغيير على الساحة السورية. وهذا ما يظهر من خلال الوفود التي تزور سوريا للتعرف على العهد الجديد وتطلعاته في حكم سوريا.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News