وسيم جانبين


في ظلّ التحوّلات الجيوسياسية الراهنة، يبرز تساؤل محوري: هل نحن أمام تغيّر حقيقي في مسار عملية السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان؟ وما دلالات انحسار العداء تجاه إسرائيل مقابل تصاعد العداء تجاه إيران؟

في العقدين الماضيين، كانت القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل محورًا أساسيًا للخطاب السياسي في لبنان والعديد من الدول العربية. لكن مؤخرًا، شهدنا تراجعًا ملحوظًا في زخم هذا العداء، خاصة مع توقيع عدد من الدول العربية اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ضمن ما يُعرف بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية".

هذه التحوّلات أثارت جدلاً واسعًا في المنطقة، حيث رأى البعض أنها تُمهّد لحلّ طويل الأمد للنزاع العربي الإسرائيلي، بينما اعتبرها آخرون خيانة للقضية الفلسطينية. أما في لبنان، فقد بقيت المواقف تجاه إسرائيل ثابتة إلى حدّ كبير بسبب التعقيدات الداخلية، والدور البارز الذي يلعبه حزب الله في تحديد السياسة الخارجية للبلاد.

بالمقابل، شهدنا تحولاً جذريًا في أولويات الصراع في المنطقة. باتت إيران، بسياساتها الإقليمية وتدخلاتها في شؤون الدول العربية، الخصم الرئيسي للعديد من الأنظمة العربية. وقد تجلّى ذلك في الخطاب السياسي والإعلامي، حيث تصدّرت المواجهة مع إيران وأذرعها في المنطقة قائمة الأولويات الأمنية والسياسية.

في لبنان، تزايدت الأصوات المطالبة بوضع حدّ لتدخلات إيران عبر حزب الله، خاصة في ظلّ الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها البلد والتي كان حزب الله طرفًا أساسيًا ومسببًا فيها. ومع ذلك، وبعد هزيمة حزب الله في الحرب الأخيرة التي خاضها مع إسرائيل، تنفّس اللبنانيون الصعداء، واعتبر البعض أن هذه الفرصة المثالية للتحرك ضد حزب الله وإخضاعه سياسيًا لسقف الدولة ومؤسساتها. فبتنا نسمع أصواتًا معارضة كثيرة تنادي حزب الله بالرجوع إلى الدولة ومنطق المؤسسات، والتخلي عن دور الميليشيا التي تؤدي دورًا لمشروع خارجي.

في ظلّ هذه التغيرات، يبدو أن الحديث عن عملية سلام شاملة في الشرق الأوسط بات مرتبطًا بمعادلات جديدة. إذ لم يعد السلام مرهونًا فقط بحلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بل أصبح جزءًا من مشهد إقليمي أوسع يشمل مواجهة النفوذ الإيراني، وضمان استقرار الدول التي تعاني من أزمات داخلية كلبنان وسوريا واليمن.

هل يمكن للبنان أن يكون جزءًا من مسار سلام إقليمي؟ وكيف ستؤثر التحوّلات الإقليمية على دوره كدولة واقعة في قلب صراعات الشرق الأوسط؟ وهل ستشهد المنطقة إعادة تشكيل للتحالفات بما يضمن استقرارها أم أن الصراعات ستبقى هي السمة الأبرز؟

في النهاية، يبقى المستقبل مرهونًا بقدرة دول المنطقة على إيجاد قواسم مشتركة تحقق الاستقرار وتحدّ من النزاعات التي أنهكت شعوبها لعقود طويلة، تلك الشعوب التي أثبتت أنها لا تريد الحرب وأنها قادرة على صناعة التغيير في أنظمتها إذا ما قُدّر لها ذلك عبر الالتفاف العربي والحماية الدولية.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News