دمشق من القومية العربية إلى القومية الإسلامية
31-12-2024 10:39 AM GMT+02:00
ليس من قبيل الصدفة أن تكون تركيا العثمانية عرّابة وقف الزحف الشيعي في بلاد الشام. ففي عام 1514، قاد السلطان سليم الأول حربًا ضد الدولة الصفوية التي كانت تفرض المذهب الشيعي الاثني عشري قسرًا على المسلمين السنّة. وحقق نصرًا كبيرًا على الشاه إسماعيل الصفوي في معركة جالديران، ليواصل بعدها طريقه إلى مصر مرورًا بدمشق أولاً، ثم القدس وغزة، ويصبح أول من حمل لقبي "أمير المؤمنين" و"خادم الحرمين الشريفين" من آل عثمان.
ما فعله الأتراك في سوريا اليوم لا يقف عند حدود وقف التمدد الإيراني الشيعي، الذي كان يفاخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية، بل أعادوا سوريا إلى القومية الإسلامية بعد أن حكمها لعقود مظلمة نظام ديكتاتوري باسم القومية العربية. هذا النظام دمّرها، نكّل بأهلها، وحاول سلخها عن محيطها العربي وتغيير هويتها الدينية.
وخلال سقوط المشروع الإيراني وتحرير الثوار لمدنهم، كان حاضن الثورة السورية، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يستحضر التاريخ ويسقطه على الواقع قائلاً: "ماذا كان سيحدث لو كانت الظروف مختلفة بينما كانت الحرب العالمية الأولى تعيد رسم الحدود في منطقتنا؟ من المحتمل جدًا أن المدن التي نسميها حلب، وحماة، ودمشق، والرقة كانت لتكون محافظاتنا تمامًا مثل عنتاب، وهاتاي، وأورفة." وكأنه يستذكر دخول الخليفة العثماني السلطان سليم الأول إلى سوريا ويقول: "ها قد عدنا واستعدنا سوريا" بعد أن دعمنا ثورة شعب مكلوم ارتبط أجداده بالخلافة العثمانية لقرون عدة.
ها نحن اليوم قد مكّنّاه وأمّنا لثواره ظروف النصر والنجاح، ليحرروا أرضهم، ويسقطوا بهدوء كبير نظامًا استعبد شعبه لعقود، وينهوا تشيّعًا كاد أن يغيّر هوية بلادهم.
لقد استطاع أردوغان، من خلال دعم الثوار، أن يعيد معهم سوريا إلى القومية الإسلامية التي تديرها بلاده اليوم بخطاب منفتح ونهج إسلامي معتدل يتقبله المجتمع الدولي. ومن يتوقف عند طريقة إدارة قائد الإدارة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، للعملية العسكرية وخطاباته، والحكمة التي تصرف بها لجهة حقن الدماء، وتغليب منطق العفو على الثأر، والسعي للحفاظ على وحدة سوريا بكل مكوناتها، يدرك أنها ستدار بمنطق الدولة. الشرع اعتبر التظاهرات حقًا مشروعًا لأي مواطن كي يعبر عن رأيه، وأرسل رسائل مطمئنة إلى الخارج، معلنًا أن سوريا لن تكون مصدر إزعاج لأحد، وأن تحريرها يضمن أمن الخليج لخمسين سنة قادمة. كما أعلن نيته حل "هيئة تحرير الشام" خلال مؤتمر الحوار الوطني. يرى المراقبون في الشرع وجه رجل دولة أدار الثورة بطريقة مبتكرة ويسعى بحكمة لبناء دولة القانون والعدل في سوريا، القريبة من طبيعة أبنائها والمنسجمة مع محيطها.
ما يساعده في ذلك هو التفاف معظم الشعب السوري حول ثورته التي حفظت هوية سوريا وتسعى لبناء دولة المؤسسات فيها.
الشراكة العربية في بناء سوريا الجديدة
لا شك أن الثورة ليست يتيمة. فبعد إشارات المجتمع الدولي الإيجابية نحو الإدارة السورية الجديدة، والإعلان عن احترام خيارات الشعب السوري، وحركة الموفدين الدوليين إلى سوريا، لا بد من التوقف عند زيارة الوفد السعودي وما حملته من دعم. كما يمكن الإشارة إلى دعوة وزير الخارجية السعودي لنظيره السوري لزيارة المملكة، والتي ستكون أول زيارة رسمية للخارجية السورية.
ما يرافق ذلك من عمل على بناء شراكة سورية سعودية بالتفاهم مع تركيا وتشجيع من قطر، يتضح من خلال المشهد الذي يُبنى عليه خلال الفترة القادمة لإعادة الإعمار والازدهار في سوريا.
الشرع، الذي أعطى قرابة ثلاث سنوات لكتابة الدستور وأربع سنوات لإجراء انتخابات يسبقها إحصاء سكاني شامل، سينصرف إلى تدعيم ركائز الدولة في سوريا، بعد أن أعلن انتهاء الثورة وعدم سعيه لتصديرها. إلا أن قوة دفع الثورة تجاوزت الحدود وبدأت تُلقي بظلالها على المشهد اللبناني، الذي اختلطت أوراقه وبدأت تهب فيه رياح التغيير لترسم مرحلة جديدة ليست بعيدة عن التطورات التي تشهدها جارته سوريا.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News