خلف الحبتور: متى تنهض العدالة من ركام مرفأ بيروت؟
04-01-2025 10:16 AM GMT+02:00
في أي دولة متقدمة تسود فيها قيم العدالة، يبقى القضاء حجر الأساس الذي يُبنى عليه استقرار المجتمع ونهضته. القضاء العادل هو الحصن الذي يحمي الحقوق، ويضمن المحاسبة، ويعزز الثقة بين المواطنين والدولة. فلا قيمة لقانون بلا تطبيق، ولا هيبة لدولة لا تُقيم ميزان العدالة.
لكن في لبنان، يبدو أن العدالة مغيّبة، وأن ميزانها قد اختلّ. كيف لدولة أن تنهض وتستعيد مكانتها، وهي عاجزة عن محاسبة من تسببوا بأكبر كارثة شهدتها بيروت في تاريخها الحديث؟ كارثة مرفأ بيروت التي أودت بحياة المئات، وأصابت الآلاف، ودمّرت قلوب الملايين، ما زالت ملفاً عالقاً بلا محاكمات ولا حتى اعتراف بالمسؤولية.
وما يزيد الوضع سوءاً، أن كل من ساهم في تكتيف يد القضاء وإعاقة عمله يجب أن يُحاكم. المشكلة لم تكن في القضاة أنفسهم، بل في النظام القمعي المسيطر الذي يقمع أي محاولة لتحقيق العدالة عبر التخويف والضغط. هذا التدخل السافر حال دون محاسبة المجرمين الحقيقيين، وكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.
والأمر لا يقتصر على هذه كارثة المرفأ فقط. بل إن السجون اللبنانية تكتظ بأبرياء وموقوفين منذ سنوات دون محاكمات. هؤلاء المساجين يُحتجزون في ظروف إنسانية قاسية، محرومين من أبسط حقوقهم، بينما المجرمون الحقيقيون ما زالوا طلقاء. أي عدالة تلك التي تُبقي المظلوم في السجن بلا سبب، وتترك المتسببين في الخراب دون محاسبة؟
المساجين الذين يُحتجزون ظلماً يجب تعويضهم، ومحاسبة كل من تأخر في التحقيق معهم أو استجوابهم. ظروف السجون الحالية في لبنان وصمة عار على جبين كل مسؤول سمح بتحويلها إلى أماكن قمع وإذلال، بدلاً من أن تكون مؤسسات تُحترم فيها كرامة الإنسان.
لا يمكن لأي بلد أن يدعي السيادة والحرية بينما شعبه يعيش تحت وطأة الظلم المستمر، سواء كان داخل السجون أو خارجها. المطلوب اليوم ليس فقط محاسبة المتسببين في كارثة المرفأ، بل إصلاح جذري وشامل لمنظومة القضاء والعدالة، وإطلاق سراح كل من سُجنوا ظلماً فوراً.
المصدر : Transparency News