يوسف مرتضى - كاتب سياسي


منذ إعلان دولة لبنان الكبير في العام ١٩٢٠، يتقلب هذا الكيان المهزوز على نيران الأزمات والانقسامات في صراع دموي على السلطة بين أفرقاء مكوناته. فمن تولوا السلطات في إدارة لبنان لم يعيروا أي أهمية لبناء دولة القانون والمؤسسات، بقدر ما انصب اهتمامهم على تحاصص السلطة. من هذه الخلفية نجد الالتباس المزمن عند حكام لبنان منذ عهد الإستقلال الأول، وإلى يومنا هذا بين مفهومي الدولة والسلطة، إذا ما استثنينا عهد الرئيس فؤاد شهاب، الذي تغلّب عند أخصامه الذين حاربوه، من الطائفة المارونية نفسها مفهوم السلطة على مفهوم الدولة التي كان يبني مؤسساتها على الأسس الحديثة لبناء دولة المواطنة.
وبمناسبة الفراغ المتمادي لمدة سنتين ونيف في سدة رئاسة الجمهورية بسبب تجاهل معظم الكتل النيابية للقواعد الدستورية والقانونية التي تبنى على أساسها مؤسسات الدولة الدستورية، والتفتيش عن عوامل القوة في الداخل والخارج لتأمين شروط الغلبة من فريق على الآخر.
هذا الواقع المؤلم يدفعني بالعودة إلى التاريخ علّه يسهم في تنوير بعضهم،إذا اهتموا بالقراءة!.
الرئيس صائب سلام كتب في مذكراته المنشورة حديثاً" إن الفريق المسلم منذ بداية الإنتداب، كان مليئاً بالقهر والظلم وصنوف الأذى".
أما المؤرخ اللبناني الدكتور فيليب حتي، انتقد إعلان لبنان الكبير الذي أعلنه الجنرال غورو من قصر الصنوبر استجابة لرغبة البطريرك الحويك. واعتبر حتي، أن لبنان وإن كان قد كسب مرافئ ومساحات جديدة، غير أن هذا الربح يقابله عدم تجانس في السكان، ونقص فاضح في التمازج والترابط. ذلك أن لبنان حسب رأي حتي، قد فقد التوازن الداخلي الذي نعم به سابقاً.
وحذا حذو المؤرخ حتي، المفكر اللبناني جورج أنطونيوس، الذي اعتبر إعلان لبنان الكبير بمثابة خطيئة بحق لبنان ومستقبله.
أما الأب المؤرخ اللبناني الأب ريمون الهاشم يقول" إن عدم تجانس اللبنانيين وعدم تمازجهم وترابطهم، ليست مسؤولية لبنانية فحسب، وإنما هي مسؤولية دولية تعود إلى التدخلات الفرنسية والبريطانية والإيطالية والروسية في شؤون الدولة العثمانية قبل انهيارها بحجة حماية الأقليات، واتباع أسلوب الفتن الطائفية بين الفئات اللبنانية وإمدادها بالسلاح، وهذا ما حدث فعلاً خلال الفترة ما بين ١٨٤٠-١٨٦٠". وهنا لا أعرف عن أي تجانس تحدث المؤرخ حتي والمفكر أنطونيوس غير فكرة الغلبة من مكون على آخر، حيث جمع نظام القاثممقاميتين مكونات دينية وطائفية مختلفة، وكذلك نظام المتصرفية، الذي كان يرأسه مسيحي أرمني غير لبناني.
لقد ثبت لجميع الأفرقاء اللبنانيين  في الجمهوريتين الأولى والثانية الذين استعانوا تباعاً مع مرور الزمن، على بعضهم البعض، بقوة خارجية، فلسطينية، سورية، إسرائيلية،إيرانية، أميركية، فرنسية، ضرر وعقم هذه السياسة، التي كانت تستند إلى الاستقواء بالخارج، لمنازلة الشركاء في الوطن الواحد، ومع ذلك للأسف لم يجر التخلي عنها حتى يومنا هذا ، وهم ينتظرون التنافس بين أفرقاء الخارج القريب والبعيد لاختيار رئيس للجمهورية لمصلحة هذا الفريق أو ذاك في الداخل.
وهنا تحضرني صرخة الزعيم اللبناني المرموق فؤاد عمون، الذي انبر بوماً إلى المطالبة بعناد وإصرار، أن يكون أول رئيس للجمهورية اللبنانية فرنسياً، بسبب عدم توفّر الثقة والتفاهم بين مختلف الطوائف على اختيار رئيس من بينهم. ما أدى تعليقاً على ذلك إلى مطالبة بعض اللبنانيين، بأن يكون أحد أفراد عائلة"بوربون"الفرنسية رئيساً للبنان.
أما أنا، أرى أن الحل الوحيد لتجاوز المآسي المتأتية من الصراع على السلطة على حساب بناء الدولة ، هو الإطاحة برموز المنظومة الفاسدة الحاكمة، وانتخاب رئيس دستوري يحكم بما يقوله الكتاب دون الالتفات لمطالب هذا الفريق أو ذاك أو مراعاة خواطرهم، تماماً في تقليد لإدارة ناجحة لدولة القانون والمؤسسات كما بدأها الرئيس الراحل فؤاد شهاب.