خطاب القسم .. إنقلاب على الإنقلاب
منذ 4 ساعة
شكّل اتفاق الطائف عام ١٩٨٩ جسر عبور للبنان من الحرب الأهلية إلى السلم الأهلي. وحملت وثيقة الوفاق الوطني المنبثقة عنه العناصر الدستورية المهمة التي أقرت في العام ١٩٩١، والتي من شأن تطبيقها كان تثبيت السلم الأهلي وحماية ديمومته، وإرساء الأسس الصلبة لبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية التعددية السيدة والعادلة.
غير أن رياح "عاصفة الصحراء "، أي الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لتحرير دولة الكويت من الإحتلال العراقي بتغطية عربية سورية برئاسة حافظ الأسد، قد حالت دون تطبيق دستور الطائف ، بعدما منحت أميركا الأسد الوصاية على لبنان ثمن تغطيته لتلك الحرب .
الوصاية السورية أدارت الحكم في لبنان بما ينسجم مع طبيعة نظامها الأمني، فتجاوزت الدستور واستنسبت منه ما يؤمّن مصالحها وييسّر إملاءاتها ، ما دفع بالدكتور ألبير منصور الذي تولى منصب وزارة الدفاع في حكومة عهد الرئيس الهراوي الأولى، إلى إصدار كتابْ في حينها حذّر فيه من سلوك الإدارة السورية المتجاوزة لاتفاق الطائف عنوانه" الإنقلاب على الطائف". والجميع يذكر، أن الوزير منصور كان قد شكّل مع الوزير محسن دلول الثنائي الوزاري لحل المليشيات إنفاذاً لقرار وثيقة الوفاق الوطني، وكانت أول مخالفة له بطلب سوري إستثناء حزب الله من بين سائر المليشيات الأخرى.
بعد انسحاب الجيش السوري في ٢٦ نيسان عام ٢٠٠٥ إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ورث الثنائي الشيعي مدعوماً من النظامين السوري والإيراني نهج الوصاية السورية. وغلّبت بعد ذلك أحزاب ١٤ أذار مصالحها الفئوية والحزبية على حساب بناء الدولة في صفقة التحالف الرباعي، بتحاصص السلطة مع فريق ٨ آذار، ما اتاح الفرصة للثنائي حزب الله والتيار العوني الرافضين أصلاً لاتفاق الطائف، عبر تفاهم مار مخايل عام ٢٠٠٦، من إحكام قبضتهما على مفاصل الدولة الأساسية ضاربين عرض الحائط بنظام فصل السلطات ، والقضاء المستقل، وتابعا في الحكم نهج الوصاية السورية، إلى أن أدخلا البلاد بالعهد الجهنمي الميشال عوني.وبعد سنتين وشهرين على تعطيل الاستحقاق الرئاسي، شهد فيها لبنان والمنطقة تحولات تاريخية كبرى، أطلقتها عملية طوفان الأقصى
وخطيئة فتح جبهة إسناد غزة في جبهة لبنان الجنوبية، التي كان من نتيجتها ضربة قاسمة لحزب الله ومحور الممانعة، وتوجت بانهيار نظام الأسد البائد في سوريا، وتجريد إيران من معظم أذرعها.
هذه التحولات والتغيير في نظام القوى المحلي والإقليمي الذي أحدثته، أمنت الظروف الملائمة لإنهاء حالة الفراغ الرئاسي، بانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية من خارج صندوق المنظومة الفاسدة الحاكمة، ما يمثّل بارقة أمل بدخول لبنان في مرحلة جديدة لاستعادة بناء الدولة.
والذي زاد من بريق هذا الأمل، هو ما تضّمنه خطاب قسم رئيس الجمهورية، الذي رسم خارطة طريق إعادة بناء الدولة على أساس ما تضمّنه دستور اتفاق الطائف في كافة المجالات ، السيادية الأمنية والسياسية، القضائية والاقتصادية والاجتماعية.
هذا الخطاب الذي يجعلنا نقرأ فيه إنقلاباً من أجل تطبيق وثيقة الوفاق الوطني على الذين انقلبوا عليها.
وأول امتحان لإمكانية ترجمة مضمون خطاب القسم، يبدأ بتسمية رئيس الحكومة العتيدة وأعضاء حكومته الذين يجب أن يأتوا من خارج صندوق المنظومة، حكومة كفاءات تُمنح صلاحيات تشريعية استثنائية تحوّل بنود خطاب القسم إلى مراسيم اشتراعية في الفترة الممتدة حتى الانتخابات النيابية المقبلة في العام ٢٠٠٦، على أن يكون في صلب ومقدمة ذلك، إقرار قانون انتخابات جديد يصحح التمثيل الشعبي الذي شوهته وزورت حقيقة تمثيله للشعب الذي هو مصدر السلطات، القوانيين السابقة التي حيكت على مقاس أهل المنظومة، الذين دمروا البلاد وأفلسوها، وشرّعوا في إدارتها حكم شريعة الغاب.
إعادة تكليف الرئيس ميقاتي أو أي واحد من طينته، سيكون أول إسفين يسبب إحباط مسيرة عهد الرئيس جوزف عون في يومها الأول، وعودة البلاد إلى نظام المحاصصة الذي بات يجب أن نقول عنه النظام البائد كولي أمره النظام السوري السابق.ولنعمل بمقولة الرئيس الراحل فؤاد شهاب: لا يمكن بناء الجديد بحجارة القديم .